23 آب يوم احترم نواب الامة دورهم ووكالتهم الشعبية

لم يشهد لبنان على امتداد تاريخه المعاصر انقساما سياسيا، وانتصارا ترجم الاقتتال العسكري كـ 23 آب 1982، لم يغلق مجلس النواب ابوابه بوجه نواب الامة لانتخاب رئيس للجمهورية، رغم الاقتتال والانقسامات، ولم يقفل رئيس المجلس النيابي دورات انتخاب الرئيس بحجة التشاور والمشاورة، ولم يستغل اي طرف الاستحقاق الرئاسي لاملاء شروطه على الاطراف اللبنانية الاخرى.

في 23 آب رغم كل الظروف كان عرسا دستوريا ونيابيا ولبنانيا. احترم الدستور رغم الانقسامات السياسية، احترم نواب الامة المهل الدستورية رغم سيطرة الميليشيات على الازقة والشوارع، واحترمت الدولة اللبنانية نفسها من خلال احترام المهل رغم كل الاقتتال.

لم يعرف الشعب اللبناني يوما ديمقراطيا كذلك اليوم، بعد 7 سنوات من المعارك الضارية، وبعد كل المعارك مع الفصائل الفلسطينية، وبعد اخراج الجيش السوري من بيروت الشرقية وجبل لبنان، وبعد القضاء كليا على المخيمات الفلسطينية في المنطقة الشرقية، وبعد اذلال الجيش السوري للمرة الثانية في حرب زحلة، انتخب بشير الجميّل رئيسا للجمهورية اللبنانية حاملا معه كل الابعاد السياسية والاجتماعية والتناقضات اللبنانية الى قصر بعبدا.

ومهما حاولت تلك الاصوات تشويه صورة ذلك النهار التاريخي بالادعاء ان الرجل وصل على الدبابة الاسرائيلية تبقى الحقيقة ساطعة فعدد لا يستهان به من النواب الذين يعارضون وصول بشير وهم يسكنون المنطقة الشرقية حضروا جلسة الانتخاب واقترعوا او تمنعوا عن الاقتراع له بكل حرية، العبرة هنا ان نواب الامة قاموا بواجبهم الدستوري الموكل اليهم بالوكالة الشعبية.

اين نواب الامة اليوم؟

لن يحصل المجتمع اللبناني على الجواب الشافي اذا كان رئيس مجلس نوابه قائد ميليشيا قرر ان ينقل معه كل موروثاته السلطوية الى مجلس النواب، فأدار وما زال المجلس بالطريقة التي ادار وما زال الميليشيا الخاصة به. مجلس النواب يحكمه رجل ارتكب ما قدر له ارتكابه من موبقات دون حسيب او رقيب لا بل كرم نفسه وجعلها الحاكمة بالبلاد والعباد وفق اهوائه الذاتية ومنفعته الشخصية.

شخصية نبيه بري وتصرفاته تتناقض تماما مع شخصية بشير الجميل وتصرفاته في 23 آب 1982، ادرك بشير انه اصبح رئيس جمهورية كل لبنان، وقال جهارا ان السلام مع اسرائيل يجب ان يوافق عليه المسلمون، وقراره بتشكيل حكومة وحدة وطنية وحل القوات اللبنانية وضمها للجيش كانت ثوابت وطنية. فهم الرجل ان انتخابه نقله من قائد شعبي الى رئيس للجمهورية، وهذا لم يكن تطورا ذهنيا عنده انما الايمان بأن قيادة الوطن تختلف عن قيادة المجلس الحربي وهذا بالتحديد ما لم يفعله بري، وما لم يفعله اي من قادة الحركة الوطنية الذين اداروا وما زالوا الجمهورية اللبنانية بسياسة الناطور وزعيم "الحي".

اذا كانت البعد الذهني بهذا الحجم بين "ابن دولة" و"ابن زقاق" طبيعي ان تصل الامور الى ما وصلت اليه، والطبيعي ايضا ان نقول "المارونية السياسية" صنعت وطنا فماذا فعلت سياساتكم بالوطن؟