نهج "الترقيع" و"كذبة" الكهرباء.. "نقزة" من النوايا المبيّتة

تمخّضت الجهود المبذولة لحلّ أزمة الكهرباء "المعهودة منذ سنين" ولا سيما الانقطاع الكلي الأخير الذي "فاجأ" الحكومة بشخص رئيسها ووزير الوصاية، فولَدَت كتاباً من دولة الرئيس نجيب ميقاتي إلى "هيئة التفتيش المركزي" طالباً التحقيق في أسباب الانقطاع الكلي للكهرباء، غامزاً من قناة تحميل كامل المسؤولية لمدير عام مؤسسة "كهرباء لبنان" كمال حايك، ما يوحي بأن الوزير وليد فيّاض ربما لم يبلّغ دولة الرئيس بالكتب المتتالية التي أرسلها حايك إلى وزارة الطاقة ومديرية منشآت النفط، والتي فنّدتها المؤسسة في بيانها الأخير بالوثائق والتواريخ، مبلّغاً إياها بضرورة الإسراع في المبادرة إلى تأمين الفيول لزوم معامل الإنتاج، كون المخزون شارف على النفاد... 

وتزامن الكتاب مع تصاريح "مكثّفة" للوزير فيّاض مُردِّداً الأسباب ذاتها "المزمنة" المرتبطة بتأمين الأموال لتغطية أكلاف الشحنات، ومُطلقاً الوعود نفسها "المتكرّرة" بأن التغذية ستتحسّن في الأيام المقبلة.

هذان الموقفان لا يمكن أن يعكسا سوى الاستمرار في نهج "الترقيع" من جهة، وإلقاء المسؤولية على مدير عام "كهرباء لبنان" وحده دون غيره من الحكومات والوزراء السابقين والحاليين!

مارديني و"النقزة" من النوايا المبيّتة..

الخبير الاقتصادي الدكتور باتريك مارديني يرى في إحالة المدير العام لمؤسسة "كهرباء لبنان" على التفتيش المركزي "تحميله وحده حصراً مسؤولية الانقطاع الكامل للتيار الكهربائي"، ويعتبر عبر "المركزية" أن "مَن يجب أن يتحمّل هذه المسؤولية هو وزير الطاقة وليد فيّاض في الدرجة الأولى، بالتكافل مع المؤسسة"، وإذ يأمل "ألا يتكرّر ذلك في المستقبل"، يُشير إلى أن "مشكلة "كهرباء لبنان" تكمن في عدم استقلاليّتها عن وزارة الطاقة".

وعن قراءته لمبادرة الحكومة الجزائرية التي أنقذت المرافق العامة خصوصاً ولبنان عموماً من أزمة في غنىً عنها اليوم في ظل الحرب القائمة، يقول مارديني: لا نملك معطيات كافية حول دوافع هذه المبادرة، لكن مثل هذه الخطوات تولد لدينا "نقزة" مما يحصل في هذا الملف. إذ عندما تم التصويت على قرار استقدام الفيول الأسود العراقي، أُعلن المسؤولون اللبنانيون المعنيّون حينها أن الحكومة العراقية ستزوّد لبنان بالفيول على شكل "هبة"، ثم عادوا وأعلنوا أن العراق ستزوّد لبنان بالفيول مقابل أن يبادلها بخدمات طبيّة... أما اليوم "خلصت السَكرة وإجت الفَكرة"، وتبيّن أن لبنان عليه تسديد قيمة الفيول العراقي بمليار دولار أو ربما أكثر! لذلك إن ما حصل مع الحكومة العراقية، جعلَنا نتلقّف المبادرة الجزائرية، مشكورة، بـ"نقزة" وتوجّس من أن تبدأ على شكل "هِبة" ثم تصبح مشروطة بتسديد كلفتها بملايين الدولارات...

 

ويوضح أنه "في حال أرادت الحكومة اللبنانية الحصول على النفط والغاز أويل من الجزائر والعراق أو غيرهما، مقابل تسديده ثمن هذه الشحنات، عندئذٍ يجب مرور هذه العملية في الأطر القانونية أي عبر إطلاق المناقصات وتحضير دفاتر الشروط واستدراج العروض لتقييم السعر الأدنى، والمرور بهيئة الشراء العام... لذلك من غير الجائز إيهام اللبنانيين بأن تلك الشحنات "هِبة" ومن ثم يتبيّن أنها ليست كذلك!

التعاطي اللبناني مع الملف يُثير الشكوك!

وليس بعيداً، يذكّر مارديني بأن "العراق أعلن مذ البداية وقوفه إلى جانب الشعب اللبناني ومساعدته، لذلك وُضعت مبادرة الحكومة العراقية في إطار "هِبة". والعراق لديه النيّة الصادقة بمساعدة لبنان... لكن "أسلوب التعاطي" الذي ينتهجه بعض المسؤولين اللبنانيين، لا يطمئن. هذا الأسلوب يفتقد إلى الدقة والوضوح والصراحة حتى بات اللبنانيون لا يعلمون ماذا يحصل في ملف الفيول. من هنا، التحفّظ هو على تعاطي الحكومة اللبنانية المُستغرَب مع هذا الموضوع وليس على تعاطي الحكومة العراقية، ما أدّى إلى ارتفاع منسوب شبهات الفساد في هذا الملف".

ويعزو في السياق، النفاد السريع لمخزون الفيول إلى "عدم مصارحة وزارة الطاقة الشعب اللبناني بحقيقة الوضع، فادّعَت أنها ستؤمّن كلفة استيراد الفيول من خلال تحسين الجباية وزيادة تعرفة الكهرباء، عندها لا يعود هناك أي داعٍ لا لهِبة أو قرض ولا لطلب الأموال من مصرف لبنان ولا "التشبيح" من اموال الضرائب...إلخ، وذلك في محاولة منها لإقناع المواطنين بالقبول بزيادة التعرفة".

..."هذا ما وعدَتنا به وزارة الطاقة، لكن تبيّن لاحقاً أن ذلك كان مجرَّد "كذبة" لا أكثر" يقول مارديني "إذ ما زالت لا تجبي فواتيرها واستمرّت في سوء إدارة الملف، كما أن الهدر القائم يجعلها عاجزة عن تأمين كلفة استيراد الفيول!".

في الخلاصة، يجد مارديني الحل الجذري في "الانتقال بملف الكهرباء إلى المستوى البلدي عبر السماح للبلديات بالترخيص لمزارع الطاقة الشمسيّة على المستوى المَحلي... وقرية "تولا" النموذج الأنجح لهذه التجربة: 24 ساعة تيار كهربائي بنصف الكلفة".