هيل ومراجعة الديبلوماسية الأميركية إزاء لبنان

بالنسبة الى ديبلوماسي اميركي لم يمض على خروجه من منصبه قرابة ثلاثة اعوام فيما زار بيروت موفدا من ادارته بعد انفجار بيروت في آب 2020 ولاحقا في نهاية عمله مساعدا لوزير الخارجية الاميركي لشؤؤن الشرق الادنى ، فان ما قاله ديفيد هيل عن لبنان في ندوة اطلاقه لكتاب له قبل يومين في مركز ويلسون في واشنطن بعنوان " الديبلوماسية الاميركية تجاه لبنان" يكتسب اهمية كبيرة في اتجاهين اميركي ولبناني .

اذ ان الازمة التي يغرق فيها لبنان لا تزال هي نفسها بالمكونات والمعطيات نفسها فيما لا يبدو اي افق لانتهاء هذه الازمة في المدى المنظور. واثار النبأ عن اطلاق الكتاب اهتماما كبيرا لدى الاوساط الديبلوماسية والسياسية في لبنان وتطلعا الى مضمونه اسرارا اميركية وكذلك اسرارا او تفاصيل لبنانية.


الا ان هيل اضاء في الندوة التي حاورته فيها الباحثة في معهد الشرق الوسط رندا سليم على المضمون وبعض المحطات الاساسية المهمة ونقاطا بالغة الاهمية في الوضع الراهن .

عن جهود اللجنة الخماسية وتعثر وصولها الى نتائج حتى الان رأى هيل ان ايران لا تشعر بالضغط في هذا الموضوع. فمع انها ليست جزءا من الخماسية ، ولكن ثمة قنوات قد تكون قائمة عبر قطر ، ولاتحتاج طهران الى تعديل موقفها . فيما تعمد ايران ووكلاؤها في المنطقة الى تحديد الاجندة لكل يوم ولا يمكن مواجهة ذلك بتوجيه ضربات الى الحوثيين بل باستراتيجية وضع ضغوط على ايران .


عن الوضع في الجنوب يقول لم يتم تقديم سوى دعم لفظي للقرار 1701 طوال 18 سنة ولم يتم اي جهد ديبلوماسي للقيام بتطبيقه ويعود ذلك في رأيه الى انه لم تكن هناك ازمة في حين ان هناك ازمة راهنا ولذلك نتحدث عن 1701 مجددا . وما يجده هيل مزعجا التسريبات عن انه يصعب تطبيق 1701 وتاليا الكلام عن العودة الى شيء على غرار لجنة مراقبة مماثلة لتلك التي انشئت في مواجهة 1996، في الوقت الذي ادى ذلك انذاك الى تشريع هجمات "حزب الله" ضد الجيش الاسرائيلي وكان الخطوة الاولى نحو الانسحاب الاسرائيلي العام 2000. وتاليا هناك عودة الى الوراء من القرار 1701 في هذه الحال وتفاوض اميركي وفرنسي غير مباشر مع الحزب الذي له الكلمة الفصل في هذا الاطار .


يضيف : وحين نسأل عن 1701 وكيف يمكن معالجة الامور فان الجواب ليس في بيروت بل في طهران . ومجددا من دون استراتجية تربط المنطقة ككل وكل الابعاد التي تستغلها ايران والتعامل مع المشكلات التي تثيرها ايران فان الامور لن تنتهي الى اي مكان .

يرى هيل ان انتخابات رئاسة الجمهورية هي عارض فيما السبب في مكان اخر ولا يعتقد انه يمكن انتخاب رئيس للجمهورية الا من ضمن سلة كاملة تشمل ايضا رئاسة الحكومة وتأليف الحكومة وامور اخرى . ومن المهم في الدرجة الاولى جنبا الى جنبا مع الاهتمام بالمسائل السياسية ، وهي كلها مترابطة، الاهتمام بموضوع الاقتصاد النقدي وبروز السوق السوداء وضرورة تولي مصرف لبنان المركزي خطوات للحد من ذلك تفاديا للمخاطر التي يثيرها ذلك بشكل متزايد إزاء خلق بيئة لمكافحة غسل الاموال وتمويل الارهاب والتهرب من العقوبات.


ثمة نقاط اخرى على ارتباط بلبنان منها ان التسعينات كانت تتركز على معادلة سوريا اولا بالنسبة الى الولايات المتحدة على قاعدة السعي لمدة ثمانية اعوام مع حافظ الاسد من اجل السلام مع إسرائيل وحين كان القرار االاميركي انه يمكن التعايش مع القوات السورية في لبنان على رغم خرق اتفاق الطائف وعلى رغم السياسة الاميركية المعلنة ولاعتقاد انه بهذه الطريقة يمكن وضع حد ل" حزب الله" راويا رد فعل حافظ الاسد الواثق للمفاوض الاميركي دنيس روس عن التعامل مع الحزب . ولكن لم تصل الامور الى تحقيق السلام بين إسرائيل وسوريا ولكنها كانت مرحلة استفادت منها سوريا وايران والحزب من اجل تصليب قبضتهم على لبنان .
بالنسبة الى تقويم تاريخي عميق يعود الى عقود من المقاربة الاميركية للبنان منذ 1943، فان الدبلوماسية الأميركية تجاه هذا الاخير تتأرجح بين فترات قصيرة من الانخراط وفترات طويلة من الاهمال. وهذا الواقع الذي تترجمه واشنطن أضعفت أصدقاءنا وفق هيل وعزز قوة أعدائنا.


وهذا يبدأ منذ 1958 حين ارسل الرئيس الاميركي ايزنهاور 14 الف جندي مارينز الى لبنان الى 2004 حيث اصطدمت السياسات وعمليات الانتشار الأميركية المفرطة في الطموح بالواقع الصعب في لبنان والشرق الأوسط وما بينهما في 1982 راويا على سبيل المثال نموذجا للمقاربة الاميركية انه وبعدما قتل حزب الله، الوكيل الإيراني السوري، 241 من مشاة البحرية الأميركية في عام 1983، لم تنتقم إدارة الرئيس ريغان قط على الاعتداء بما لا يفاجىء مدى انعكاس ذلك في تعزيز العنف والتجرؤ على هذا الصعيد. وفي العام 1958 حين كان يريد الرئيس كميل شمعون التمديد لنفسه، يقول هيل تخلينا عنه بسرعة مشيرا الى ان الديبلوماسية الاميركية لا تعي مدى التوقعات التي ينتظرها اللبنانيون من الولايات المتحدة وان هناك خطأ في الاختباء وراء عدم التدخل لان عدم التدخل يصبح نوعا من انواع التدخل ولان اصدقاءنا يصبحون عرضة للتنظيمات المدعومة من ايران.

المراجعة المبكرة للديبلوماسية الاميركية من هيل تتطلع غالبية القوى السياسية لا بل اللبنانيون لان تراها قابلة للتنفيذ على نحو تمكن لبنان من استعادة سيادته وقراره علما ان ثمة ثقة مفقودة بالولايات المتحدة في شكل عام في ظل الخشية من ان يتكرر دفع لبنان الاثمان الباهظة نتيجة اي توافقات مع ايران او لاغرائها بتوافقات اقليمية كما حصل مع سوريا. فهذا احد ابرز الهواجس لا سيما مع احتدام المواجهة التي تنخرط فيها ايران والحزب مع اسرائيل على خلفية الحرب على غزة . فضلا عن اليأس من القيادات اللبنانية ورغبتها في انهاض البلد ولذلك ليس من المستغرب ان تتفاوت الاسئلة بين ما اذا كان يمكن انقاذ لبنان من قياداته وهل يمكن انقاذه في شكل عام وبين السيناريوات المحتملة للبنان في المدى المنظور .