هل يُمكن لمن لا يفهم إلا بالتهديدات أن يؤسّس لدولة مدنيّة... إرحلوا فقط!؟

هل يُمكن الوثوق بأن السلطة التي لا تعمل إلا تحت ضغط التهديدات والعقوبات، يُمكنها أن تنجح في العمل وحيدة على الوصول الى عقد سياسي جديد للبنان؟

الجواب هو بالطبع لا، وهو ما يرفع حظوظ انتظار مبادرات دولية في هذا الإطار أيضاً. فهل سيتمكّن الفريق الذي استجلب الحصار المالي على الدّولة، وتسبَّبَ بحجز ودائع الشعب في المصارف، ومن يعجز عن تأمين أبسط الضروريات للشّعب اللّبناني، (هل سيتمكّن) من النّجاح في التأسيس لدولة مدنية حقيقية، أم انه سيتعامل مع هذا العنوان للسّطو على السلطة، لا أكثر ولا أقلّ؟

 

انتقال السلطة

رأى الخبير الاستراتيجي الدكتور سامي نادر أن "لدى السلطة الحالية مهمة تحقيق انتقال السلطة، عبر الوسائل الديموقراطية. وهذا مضمون أساسي في تحرّك ماكرون الذي نصح بمجلس شيوخ مدني يضع قانون انتخاب مدني، يفكّ عقدة قوانين الإنتخاب التي تأتي بالقوى نفسها الى الحُكم".

وأشار في حديث الى وكالة "أخبار اليوم" الى أن "جيلاً قديماً من السياسيين لا يزال موجوداً، وهو صاحب سلطة تتداعى وتفقد شرعيّتها إلا أنها تُمسِك بالسلطة، بموازاة جيل جديد لم يأخذ فرصته بَعْد. ونحن عالقون ضمن هذه المرحلة. وبالتالي، يجب ترقّب كيف سيحصل هذا الإنتقال للسلطة، بأفضل الطرق، أي بلا عنف".

وشدّد على أن "الإصلاحات لا تستغرق سنوات، على عكس ما يحاول البعض أن يقول، ولا سيّما تلك التي تتعلّق بوقف الإنهيار المالي والإقتصادي والمصرفي، وخصوصاً أن عدداً كبيراً من القوانين موجود في مجلس النواب، مثل قانون الشراء العام، وقانون "كابيتال كونترول"، وقانون العمل، وقانون الإصلاح القضائي، واستراتيجية مكافحة الفساد التي طّبِّقَ 25 في المئة منها فقط. وحتى إن الهيئة الناظمة لملف الكهرباء لا تستغرق وقتاً. فضلاً عن قوانين موجودة، وهي تحتاج الى تفعيل، مثل قانون الشراكة بين القطاعَيْن العام والخاص. وهذه كلّها يُمكنها أن تدخل حيّز التطبيق بسرعة، وخلال 100 يوم، لتصحيح المسار الإنحداري، ولا سيّما على المستوى المالي والإقتصادي".

 

ترفض التسوية

واعتبر نادر أن "حديث الطبقة السياسية الحالية عن الدولة المدنية، هو إمعان في إفلاسها وفقدانها مصداقيّتها، وهو يأتي من باب أن هذا المُصطَلَح بات "على الموضة". فمن أضرم النار لا يُمكن تكليفه بأن يكون الإطفائي. وتلقُّف قوى السلطة لشعار الدولة المدنية ينسجم مع القابلية الدولية على تحقيقه في لبنان. ولكنّ التعاطي السلطوي مع هذا الملف يُشبه كثيراً ما حصل قبل أشهر، عندما التفّت الطبقة السياسية على شعارات الثورة التي قامت ضدها. وهذا إمعان في فقدان المصداقية".

وردّاً على سؤال حول إمكانية التفاؤل من جراء حَراك ماكرون في لبنان، رغم أنه لم يحصل على ملموسات تتعلّق بشيء، أجاب:"إذا لم يلتزم السياسيون اللّبنانيون بما طلبه الرئيس الفرنسي، فهذا يعني أن إيران ترفض التسوية. ولكن من الواضح أنه توجد عقوبات ستُفرَض على اللّاعبين في الداخل إذا لم يلتزموا".

وأضاف:"السؤال الأساسي يدور حول إمكانية أن تقبل إيران بالتضحية بحلفاء "حزب الله" في الداخل، في تلك الحالة، أو هل ان "الحزب" سيقبل بإخضاع حلفائه لعقوبات، لأن مصلحة طهران فوق كل اعتبار؟ الكرة الآن في ملعب طهران و"الحزب" معاً".

 

صريح

ولفت نادر الى أن "ماكرون قال بوضوح إن السياسيين اللّبنانيين قبلوا الإلتزام بالإصلاحات، ودون أن يُفرَض ذلك عليهم، وإنه سيُقنِع المجتمع الدولي بجدّيتهم. ولكن إذا لم ينجزوا أي شيء ضمن إطار زمني حدّده، لن يكون مقتنعاً بإعطائهم المزيد من الفُرَص، وسيتمّ فرض عقوبات".

وختم:"لم يُنكر ماكرون أنه يتحدّث مع الإيرانيين في الملف اللّبناني. لم نعرف تفاصيل اتّفاقاته مع طهران، ولكنّه كان صريحاً وواضحاً على الأقلّ في الكشف عن ذلك".