نزار زكا: بقاء الأسد في السلطة يزيد التدهور المالي في سوريا ولبنان معاً!

تتشعّب ملفات الشرق الأوسط يومياً، على وقع معطيات تؤكّد أن الولايات المتحدة الأميركية تتّجه نحو مزيد من التصعيد، تجاه كلّ الأنشطة "الممنوعة" لمنظومة محور "المُمانعَة".

الصّعوبات المتوقّعَة لا تنحصر بنتائج تطبيق "قانون قيصر" فقط، ولا تتوقّف عنده بحدّ ذاته. وقد يعوّل البعض على سقوط الرئيس الأميركي دونالد ترامب في "رئاسية" 2020، بعد أشهر، ودخول المرشّح الديموقراطي للرئاسة الأميركية جو بايدن، "البيت الأبيض"، وهو ما يلتقي مع مناداة بعض "المُمانعين" بتمييع المبادرة تجاه الأحداث في الوقت الرّاهن، من خلال اعتماد "استراتيجيّة الصّمود"، الى ما بعد "الرئاسية" الأميركية.

بنى تحتيّة

ولكن الواقع يُظهِر أن لا إمكانية لأي انتظار، ولا لأي تعويل على بايدن، نائب الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، لنَيْل إيران حظوة جديدة باتّفاق "نووي" جديد، أو بالعودة الى القديم، خصوصاً أن هذا الإتّفاق حظي بقَبول الإدارة الديموقراطية في واشنطن، في عام 2015، عندما كانت إيران لا تزال أقوى في سوريا، وقُبَيْل الإنخراط العسكري الروسي، بأبعاده الاستراتيجية، في الميدان السوري.

أما اليوم، فإننا نجد أن المشهد السوري تشعّب أكثر، بموازاة مزيد من فقدان طهران أي قدرة على الإستمرار في إنشاء بنى تحتية في سوريا بسهولة، ووسط أزمة مالية - إقتصادية غير مسبوقة، تعصف بالميادين التي تنشط فيها "المُمانعَة" على مستوى المنطقة. وهو ما سيتحكّم بعمل إدارة بايدن، إذا فاز بالرئاسة الأميركية، لأنه يشكّل المنطلَق الأساسي له.

 "الإقتصاد الممنوع"

وينتظر الجميع نتائج ومفاعيل تطبيق "قانون قيصر" على لبنان ودول المنطقة عموماً، وسط "عصف فكري" يطال مستقبل عمل قوات "يونيفيل" في جنوب لبنان، والمفاوضات اللّبنانية مع وفد "صندوق النّقد الدولي"، ومعلومات تؤكّد أن من أبرز أهداف "قانون قيصر"، انتهاء منظومة "الإقتصاد الممنوع" في منطقة الشّرق الأوسط، وإنهاء عصر الإغتيالات والمُمارسات التعسّفية للأنظمة الغارقة في إيديولوجيّات تحرّض على العنف، ودخول بلدان المشرق العربي منظومة المجتمع الدولي، على المستويات كافّة.

النَّهْب

أوضح مدير البرامج لدى المؤسّسة الأميركية لتكنولوجيا السلام، والسفير فوق العادة، نزار زكا، أن "قانون قيصر شديد الوضوح، وهو يشجّع كلّ ما هو شرعي حصراً".

وشرح في حديث الى وكالة "أخبار اليوم" أن "ما يتمّ تداوُله عن دعوات للقيام بعمليات تجارية بين لبنان والنّظام السوري، من قِبَل بعض الأطراف في لبنان وسوريا، يتعلّق بممارسات غير مفيدة للشعبَيْن اللّبناني والسوري، بل تتناسب مع استفادة بعض المسؤولين اللّبنانيين الذين يريدون إبرام صفقات معيّنة مع النّظام السوري، وممارسة التجارة معه، في شكل مفيد لهم وله، بمعزل عن مصلحة الشعبَيْن، وبالتهرّب من الضرورات القانونية التي يجب توفّرها في التجارة الشرعية، وهو ما سينهَب أموال اللّبنانيين والسوريّين. وهذه هي الأنشطة التي يطالها "قانون قيصر"، وليس التجارة أو العلاقات الإقتصادية التي يُمكنها أن تكون شرعية، بين البلدَيْن".

إعادة الإعمار

وتوسّع زكا:"الأمر نفسه يمكن تطبيقه على مشاريع إعادة إعمار سوريا، التي يريدها البعض عملية لنَهب سوريا، والشّعب السوري".

وقال:"الإيرانيون والروس يريدون الحصول على ثمن ما أنفقوه في الحرب السورية، وما قدّموه للنّظام السوري خلالها. ولكنّ مقاربتهم لإعادة الإعمار تحوي ما يُمكنه أن يؤدّي الى جعله عملية نَهْب، بالتعاون مع النّظام السوري لتحقيق ذلك، من خلال صفقات ملتبسة، بحجّة إعادة الإعمار. وبالتالي، يأتي "قانون قيصر" ليدفع باتّجاه أن خذوا حقوقكم من النّظام السوري مباشرة، وأما المال الذي يُمكن جمعه لإعادة الإعمار، فيجب أن يُحصَر العمل عليه لاستفادة الشعب السوري".

وشدّد على أن "علاقتنا في لبنان ستظلّ مميّزة مع الشعب السوري، لا سيّما مع وجود روابط عائلية بيننا وبينهم. وعندما سيوضَع ملف إعادة إعمار سوريا على نار حامية، يجب أن يُفتَح هذا المجال للشعب اللّبناني والمؤسّسات والشركات اللّبنانية من القطاع الخاصّ، التي ستعمل مع شركات ومؤسّسات من القطاع الخاصّ في سوريا، وتقوم باستثمارات وتحصل على مشاريع هناك، في شكل يُساعد على ازدهار البلدَيْن، لمصلحة الشعبَيْن، وليس بحسب مشيئة بعض من يريدون لتلك العملية أن تتمّ بالكذب والنّفاق والصّفقات الخبيثة، على طريقة ماهر الأسد ورامي مخلوف، مثلاً".

العقوبات

وشدّد زكا على أن "قانون قيصر" يهدف الى حماية الشعوب اللبنانية والسورية والعراقية، ضدّ كل ما هو غير شرعي. وهو واسع وواقعي وحاسم. ولذلك، يطال كلّ الأنشطة غير الشرعية. ومن مصلحة الجميع أن تتمّ إعادة هيكَلَة اقتصاد المنطقة ليصبح شرعياً بالكامل".

وتوضيحاً لما يتمّ تداوله عن توصية للجنة الدّراسات في "الحزب الجمهوري"، حول فرض عقوبات على إيران وشخصيات لبنانية، أكد أن "هذا عبارة عن تقرير، وُضِعَ قبل أشهر، دون أن يتمّ الإفصاح عنه، وكان مختوماً بعبارة "ممنوع من النّشر".

وأضاف:"ما حصل الآن هو فكّ النّشر عنه. ولكنّه تقرير يغطّي كل دول العالم، ولا ينحصر بالشرق الأوسط أو بلبنان فقط، ولا يتعلّق بفرض عقوبات جديدة، بل يتحدّث عن العقوبات التي تمّت الإشارة إليها في أوقات سابقة".

وتابع:"هذا التقرير يذكر "قانون قيصر" في مضمونه أيضاً، ويتحدّث عن وقف دعم الجيش اللّبناني على سبيل تقديم تصوُّر، ولا معنى خاصّاً له بحدّ ذاته. فهو بمثابة دراسة، ولا طلب لوضع قانون من خلفه".

رحيل الأسد

وردّاً على سؤال حول ما قيل عن أن المبعوث الأميركي الخاصّ بالملفّ السوري، جيمس جيفري، أدلى بتصريحات حول أن واشنطن قدّمت عرضاً (للرئيس السوري) لبشار الأسد، للخروج من الأزمة المالية السورية، تقوم على عملية سياسية قد لا تقود إلى تغيير النظام، بل الى تغيير سلوكه، أجاب زكا أن "المضمون الحقيقي لكلام جيمس جيفري تمحور حول أن تغيير السّلوك يعني تغيير النّظام. فابتعاد الأسد عن السلطة سيُزيل الممارسات غير الشرعية كلّها، وبالتالي تنتفي شروط تطبيق "قانون قيصر"، في تلك الحالة".

وأكد أن "بقاء الأسد على رأس النّظام في سوريا سيزيد تدهور العملة في سوريا ولبنان معاً. فبشار الأسد يُغرِق الجميع معه. ولذلك، تشدّد واشنطن على أن رحيله سيغيّر السلوك السياسي العام في سوريا، وهو ما يفتح الباب أمام عودة الازدهار، ويحسّن الوضع المالي في سوريا ولبنان، وينعكس إيجابياً على أوضاع المنطقة عموماً، في المجالات كافّة".

سقوط ترامب؟

وحول إمكانيّة أن يؤدّي فوز بايدن في "الرئاسية" الأميركية الى الإطاحة بكلّ ما له علاقة بـ "قانون قيصر"، والى وقف تعقُّب إيران في سوريا ولبنان، وعودة واشنطن الى "الاتّفاق النووي"، لفت زكا الى أن "الملامح الأساسية لـ "قانون قيصر" بدأت خلال فترة حكم أوباما، فيما تمّ التوقيع عليه خلال الولاية الرئاسية لترامب. وهو مرّ في مجلس الشيوخ وفي الكونغرس، وبالتالي هو يحظى باتّفاق الديموقراطيين والجمهوريين في شأنه، على حدّ سواء".

وقال:"سواء أُعيد انتخاب ترامب أو لا، فإن هذا القانون سيظلّ مدعوماً. أما بالنّسبة الى "الاتّفاق النووي"، فكلّ ما يُحكى عن فارق في السّلوك تجاهه بين ترامب وبايدن، ما هو إلا كذبة".

اختُطِفت...

واستفاض زكا بشرح تلك النّقطة، فقال:"بعدما وقّع أوباما "الإتفاق النووي" بفترة وجيزة، اختُطِفت أنا في إيران. كما اختُطِف من بعدي سياماك نمازي، ونازانين زاجاري، رغم أننا لم نفعل شيئاً. فلماذا اختُطفنا؟".

وأوضح:"خطفنا كان رسالة واضحة من قِبَل "الحرس الثوري" الإيراني الى واشنطن، تقول لأوباما، نحن نمضي معك في كلّ ما يتعلّق بعدَم صنع قنبلة ذرية، ولكنّنا لا نقبل بكلّ ما له علاقة باتّفاق JCPOA، وهو ما يعني رفض البند المتعلّق بالإنفتاح. وهذا يمسّ بالتعاون التجاري أيضاً".

وقال:"لهذا السّبب، ومنذ ولاية أوباما، خرجت كلّ الشركات التي كانت ذهبت الى إيران للعمل، بعدما اختُطِفنا، وهو ما يؤكّد أن فشل "الإتّفاق النووي" حصل منذ أيام أوباما. والفرصة الوحيدة أمام الإيرانيين اليوم هي أن يوقّع ترامب على اتّفاق جديد معهم، قبل الإنتخابات الرئاسية، أي قبل إمكانية فوز بايدن، لأن الأخير إذا فاز في "الرئاسية"، لن يوقّع أي اتّفاق جديد مع طهران، وذلك بعدما فشل الإتّفاق الذي أبرمته الإدارة التي كان يشغل فيها منصب نائب الرئيس الأميركي آنذاك، وهو حمل مع أوباما عار سقوط الإتّفاق في الدّاخل الأميركي. ولذلك، نجد أن طهران تصرّفت بعد اغتيال (قائد "فيلق القدس" في "الحرس الثوري") قاسم سليماني، وكأن شيئاً لم يحصل، بنسبة كبيرة".

"صندوق النّقد الدولي"

وأشار زكا الى أن "إيران ماضية في تعديل سلوكها، وهي تعمل ببراغماتية عندما تُحشَر، حتى ولو لم تُفصِح عن ذلك في خطابها السياسي".

وعن إمكانية تسهيلها ملف عمل قوات "يونيفيل" في لبنان، بما يتناسب مع ضرورات أساسية لضبط الإقتصاد اللبناني، ونجاح لبنان في التعاطي مع IMF، اعتبر أن "حزب الله" هو آخر نفَس عمليّ لدى إيران. ولكنّ اللّعبة تغيّرت، بعدما توسّعت طهران بلا موارد كافية، وهذا خطأ كبير، يجعل أسهمها تنخفض في ملفات عدّة. وهو ما يظهر من خلال أن بلداً بحجمها، اكتفى قبل أشهر، بطلب قرض من "صندوق النّقد الدولي"، بقيمة 5 مليارات دولار فقط".

وختم:"لا حظوظ لبنانية للنّجاح مع "صندوق النّقد الدولي" مع الأسف. فـ 17 في المئة من أي قرض لـ "الصندوق"، تُدفَع مباشرة من الخزينة الأميركية، وهو ما يشكّل مبالغ كبيرة. وبالتالي، فإن واشنطن لن تقدّم أموالها للبنان بلا حلول واضحة بخصوص عمل قوات "يونيفيل"، ووقف التهريب والأنشطة غير الشرعية، سواء في الدّاخل اللبناني، أو عبر الحدود مع سوريا".