نتنياهو والإنتخابات الأميركية: ضرب لبنان...ضم الضفة و...تفكيك الساحات

أجهض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كل الصيغ لوقف إطلاق النار في غزة. ما لا لبس فيه هو استمرار الحرب من الآن إلى ما بعد الإنتخابات الأميركية، على أن يتقرر مصير الحرب أو المواجهة بناء على الشخصية التي سيتم انتخابها. في عقل نتنياهو تفكير بآليات التعاطي في حال فازت مرشحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس، أو في حال فاز المرشح الجمهوري دونالد ترامب. لكن الأكيد أنه من الآن وحتى الشهرين المقبلين، سيستفيد نتنياهو وحكومته اليمينية من حالة الإنشغال الأميركي بالإنتخابات لتنفيذ المزيد من العمليات العسكرية في غزة، والضفة الغربية وجنوب لبنان. 

سعي لإنجاح ترامب
يعمل نتنياهو بوضوح على المساهمة في إنجاح دونالد ترامب في الإنتخابات الرئاسية، وهو تلقى اتهامات كثيرة من قبل الديمقراطيين بالتدخل في الشأن الأميركي. في المقابل، هناك وجهة نظر تفيد أن الديمقراطيين أصبحوا مكبلين بكل آليات تعاطيهم مع ملف الحرب، فمن جهة لا يريدون لها أن تتوسع، ولا يريدون خسارة أصوات العرب والمسلمين، ولكنهم في المقابل يحرصون على عدم محاربتهم من قبل اللوبي الإسرائيلي الفاعل في الولايات المتحدة وهو مجموعة الإيباك. لذلك لم يعد هناك تعويل على القدرة الأميركية في إنتاج إتفاق لوقف إطلاق النار، بينما تراجعت الطموحات إلى البحث عن تمرير هدنة إنسانية، وهذه لا تزال متعثرة أيضاً. 

الترتيبات الأميركية
نجحت الولايات المتحدة الأميركية حتى الآن في منع اندلاع حرب إقليمية، وذلك من خلال التواصل والتفاوض مع إيران التي عملت على تأجيل ردّها على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران. ونجحت واشنطن في منع إسرائيل من شنّ حرب على لبنان بالتعاون مع الإيرانيين، كما نجحت في خلق ترتيبات معينة مع العراق والفصائل الموالية لإيران لوقف عملياتهم، وذلك بعدما وجه الأميركيون ضربات قاسية للفصائل العراقية. في هذا السياق انتهجت إدارة جو بايدن مسلكاً مرضياً للعراقيين لتحييدهم عن "وحدة الساحات" وذلك من خلال ما يُعرف بمفاوضات هدفها إنجاز الترتيبات المتعلقة بالإنسحاب الأميركي من العراق، وهو ما ستعدّه طهران وحلفائها انتصاراً سياسياً لها، علماً ان الترتيبات التي اتفق عليها تؤجل مسألة الإنسحاب إلى شهر أيلول 2025. 

سوريا خارج المعادلة
سوريا أيضاً، خارج معادلة وحدة الساحات وذلك وفقاً لاعتبارات متعددة، أولها إيجاد تبريرات إيرانية، كما من قبل حزب الله، لدمشق بأن ظروفها ووضعها لا يسمح لها بخوض الحرب. فيما الإعتبار الأساسي في هذا المجال يتعلّق بالمسار الذي ينتهجه النظام السوري كمحاولة لتعويم نفسه وترتيب علاقاته العربية والدولية، وقد طلب النظام من روسيا حمايته في موقفه الرافض لفتح الجبهة السورية ولعدم إدخال جنوب سوريا في معادلة وحدة الساحات. اليمن أيضاً، ومنذ ضربة الحديدة ودخول الأميركيين على الخطّ خفّض من عملياته، ولم ينفذ رده على إسرائيل علماً أنه لا يزال يحتفظ بحق الردّ، وبحسب المعلومات فإن القرار بشأن هذا الردّ يرتبط بالتطورات الميدانية. 

ضرب مقومات الحياة
في غزة، وبحسب مصادر قريبة من محور المقاومة، لم يعد لدى الإسرائيليين أهداف عسكرية استراتيجية أو أساسية داخل القطاع. هم فقط يستكملون عملية التدمير الممنهج. وتعتبر المصادر أن إسرائيل لم تنجح في تحقيق أهدافها وهي إخراج الأسرى وتدمير حركة حماس. وفيما يرفض نتنياهو الصفقة ولا يوافق على أي تصوّر حول اليوم التالي، فهو يريد استكمال الحرب إلى ما بعد الإنتخابات الأميركية. 

بموازاة الحرب المستمرة على غزّة، فتح الإسرائيليون معركة الضفة الغربية، والتي تركزت على الجزء الشمالي منها، استمرّت العمليات على مدى أسبوع وأعلن بعدها الجيش الإسرائيلي إنتهاء العمليات، وسط تسريبات إسرائيلية عن إمكانية تنفيذ عمليات مستقبلاً في جنوب الضفة. السلوك الذي تم انتهاجه في الضفة، يشير إلى السعي لتضييق الخناق على الفلسطينيين وضرب مقومات الحياة، علماً أن المشروع الإسرائيلي الأساسي هو "التهجير" ولكن مع اعتماد استراتيجية النفس الطويل والضغط المتدرج لعدم إثارة ردود فعل عنيفة، وفي هذا السياق تشير المعلومات إلى وجود قلق عربي وأردني تحديداً مما يخطط له الإسرائيليون. 

تدمير قرى لبنان
أما في لبنان، فإن المسار العسكري الإسرائيلي لا يزال مستمراً على اكثر من مستوى، أولاً العمليات التي تستهدف قرى الشريط الحدودي، من ضمن مسار تدمير ممنهج لهذه القرى لعمق 10 كلم. بالإضافة إلى استكمال مسار عمليات الإغتيال بحق كوادر حزب الله الميدانيين، ومؤخراً تركيز العمليات الجوية على مواقع ومخازن أسلحة وصواريخ في مناطق جديدة، ضمن استراتيجية "إنشاء أحزمة نارية". لا يمكن الجزم حتّى الآن إذا كانت هذه الإستراتيجية هدفها تدمير المواقع فقط وإبعاد حزب الله عن جنوب نهر الليطاني من خلال ضرب أسلحته ومخازنه والسعي إلى عدم إعادة إدخال السلاح إليها. أو أنه عمل عسكري تمهيدي للقيام بعمليات أخرى لاحقاً، وبذلك يكون الإسرائيليون قد عملوا على إضعاف قدرات الحزب أو ضرب مرتكزات عسكرية أساسية له. 

كل القناعات تشير إلى أن الحرب مستمرة من الآن وحتى الإنتخابات الأميركية. في حال فازت كامالا هاريس فإنها ستنتهج نفس الآلية التي اعتمدها الرئيس جو بايدن، وذلك قد ينتج عنه المزيد من التوترات مع نتنياهو، والذي في حال لم يحقق النتائج السياسية التي يريدها، فيمكن له أن يواصل الحرب ويطيل أمدها. أما في حال فوز ترامب، فإن المعطيات في أميركا تفيد بأن المرشح الجمهوري أبلغ نتنياهو بضرورة استكمال حربه والإنتهاء منها قبل وصوله إلى الرئاسة، بينما يراهن نتنياهو على مواقف ترامب لدعمه سياسياً في تحقيق ما يريده، لا سيما أن ترامب يريد إنهاء الحرب في الشرق الأوسط، ضمن استراتيجية تخفيف التوترات مع روسيا، وفي الشرق الأوسط، ومع الصين. ولذلك سيبحث عن تكريس تهدئات سياسية.
 
غياب المشروع العربي
يراهن نتنياهو على ترامب لضرب أي مسار للحل السياسي تحت عنوان "حل الدولتين" وإنشاء دولة فلسطينية، كما يراهن على تجديد ترامب لقرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس والإعتراف بضم الجولان، وربما هذه المرة الإعتراف بضم الضفة الغربية أو الموافقة على سياسة الإستيطان الإسرائيلية. إلى جانب مساعي ترامب في إعادة تجديد مساعيه لإنجاز المزيد من اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل والدول العربية. 

أمام هذا المسار، لا يبرز أي معطى جدّي يقابل هذه الإستراتيجة الإسرائيلية على المستوى العربي أو الفلسطيني. فعلى الرغم من كل المحاولات لتوحيد الصف الفلسطيني منذ مفاوضات الجزائر، موسكو، العلمين وبكين مؤخراً، بالإضافة إلى استكمال التفاوض في القاهرة بين وفود من حماس ومن السلطة الفلسطينية. لم تحقق هذه المفاوضات نتائج سريعة على خطّ إعادة تشكيل السلطة الفلسطينية وهيكلتها. كذلك لا بروز لخطة عربية واضحة المعالم كمشروع سياسي له إطار تنفيذي لتكريس "حلّ الدولتين" ومواجهة أي مسار إسرائيلي أميركي لاحق. إلا أن الكلام الإسرائيلي عن محور فيلاديلفيا، ومصر، استدعى تضامناً عربياً مع القاهرة، ربطاً بمعلومات تفيد بحصول تواصل وتنسيق مصري تركي سعودي قطري إيراني في سبيل إعادة تقديم مشروع سياسي للمرحلة المقبلة، على أن تعقد لقاءات وإجتماعات متعددة في سبيل تكوين التصور كطرح مضاد لما تريد إسرائيل تكريسه وهو ضرب أي مسار سياسي أو أي حلّ له صلة بالقضية الفلسطينية.