مهزلة التشريع

نصّت المادة /101/ من النظام الداخلي لمجلس النوّاب تاريخ 18/10/1994 (المُعدّل) على أن تُقدّم الإقتراحات من قِبَل السادة النوّاب إلى المجلس النيابي بواسطة رئيسه، مُرفقةً بمُذكّرة تتضمّن الأسباب الموجِبة. بحيث لا يجوز أن يوّقِع إقتراح القانون أكثر من عشرة نوّاب.

وبالأحوال العادية، يُحيل رئيس المجلس إقتراح القانون المذكور، على اللجنة أو اللجان المُختّصة، ويودعه الحكومة للإطّلاع، كلّ ذلك عملاً بنصّ المادة /102/ من النظام الداخلي للمجلس النيابي تاريخ 18/10/1994.

غير أنّ النظام الداخلي لمجلس النوّاب، أجاز للنوّاب تقديم إقتراحات قوانين بصفة «مُعجّل مُكرّر»، عملاً بأحكام المادة /109/ وما يليها منه.

وعلى رئيس المجلس طرْحْ الإقتراح المُعجّل المُكرّر على هيئة المجلس في أوّل جلسة يعقدها بعد تقديمه، حتى ولو لم يُدْرَج في جدول الأعمال، سندًا لأحكام المادة /109/ نظام.

يُباشر مجلس النوّاب بمُناقشة صفة الإستعجال المُكرّر أوّلاً، ويُصوّت عليها، حتى إذا أقرّها، وَجَبَتْ مباشرةً مُناقشة الموضوع والتصويت عليه. أمّا وبحال نُزِعَت صفة الإستعجال المُكرّر عن إقتراح القانون، أُحيل إلى اللجان المختّصة، عملاً بأحكام المادتين/112/ و/113/ نظام.

ولتقديم إقتراح قانون بصفة «مُعجّل مُكرّر» شروط شكلية، وأُخرى موضوعية.

بالنسبة إلى الشروط الشكلية، يجب أن يُرفق النائب إقتراح القانون المُقدّم من قِبَله بصفة «مُعجّل مُكرّر» إضافةً إلى مُذكّرة الأسباب الموجبة، مُذكّرة أُخرى تُبرّر صفة الإستعجال. كذلك يجب أن يكون إقتراح القانون مؤلّفاً من مادّة وحيدة لا غير، وموّقعاً بحدّ أقصى من عشرة نوّاب لا أكثر. كلّ ذلك عملاً بأحكام المادة /110/ من النظام الداخلي لمجلس النوّاب.

 

ولكن، إضافةً للشروط الشكلية المطلوبة، هناك شروط موضوعية تُبرّر صفة الإستعجال والإستعجال المُكرّر. بمعنى آخر، يجب أن يكون إقتراح القانون يتناول موضوعًا لا يحمل أي إرجاء أم تأخير أم مناقشة فضفاضة، بحاجةٍ إلى إقرار، نظرًا لحاجته المُلّحة والماسّة والضرورية. كذلك يقتضي أن يكون إقتراحًا لا يحمل أي تفاصيل دقيقة أم علمية بحاجة إلى تدقيق ودراسة. وإلاّ سيجد نفسه المجلس النيابي مُضطرّاً إلى نزع صفة الإستعجال والإستعجال المُكرّر عنه، وإحالته إلى اللجنة أو اللجان المختصّة.

هذا في القانون،

أمّا في الواقع،

للأسف الشديد، إفتقد المجلس النيابي الحالي، لِباقةٍ من المُشرّعين الأشاوس، كالرئيس حسين الحسيني، وكالدكتور نقولا فتّوش، والنائب بطرس حرب، والنائب غسّان مخيبر، وسواهم من المُخضرمين والهامات القانونية. مع بقاء قامات كالنائب جورج عدوان، والنائب إبراهيم كنعان، وغيرهما. ودخول آخرين مُتمرّسين كالنائب جورج عقيص وسواه.

مما انعكس سلبًا على أداء المجلس النيابي الحالي. ويكفي وللتأكّد من ذلك، ملاحظة أنّ الجلسة التشريعية الأخيرة والتي تضمّنت /66/ بندًا، إحتَوَت على/43/ إقتراح قانون مُعجّل مُكرّر!!!

فأصبح كلّ نائب يسعى، وبهدف الترويج أنّه تقدّم بإقتراح قانون، «يُطرّزُ» إقتراحه بصفة المُعجّل المُكرّر. وأصبح التشريع سباق بالأرقام بين تكتّل تقدّم بكمّية من الإقتراحات، مقابل تكتّل تأخّر عنه بكمّية أقّل....كذا....

ناهيك عن النوّاب المستقلّين، الذين يُمطرون المجلس النيابي بوابِلٍ من الإقتراحات المُعجّلة المُكرّرة، ليس لهدف إلاّ لتحقيق أرقام وإنجازات وهمية، فيما الحقيقة أنّ هذه الإقتراحات تكون إقتباسات من قوانين أُقرّت. أم مشاريع لمّا تزل قَيْد الدّرس في اللجان.

وبات التشريع مهزلة ومسخرة، فبِنَفْس الموضوع يتقدّم التكتّل بعدد من الإقتراحات «المُعجّلة المُكرّرة»، كل ذلك بهدف الترويج لحزبه أم تكتّله أم تيّاره. فأصبح التشريع إستعراضاً لا أكثر ولا أقلّ.

فيما المطلوب هو واحد، التشريع لخدمة المجتمع، لا أكثر ولا أقّل.

فضلاً عمّا تسرّب من داخل أروِقة مجلس النوّاب، عن نوّاب حضروا الجلسة، دون أن يكونوا حتى مُطّلعين بالأساس على جدول الأعمال، وهذه هي المهزلة الأكبر.

فعن أي دولة قانون نتكلّم، ما دام هدف الأحزاب وبعض النوّاب المستجدّين السّباق في تقديم إقتراحات القوانين «المُعجّلة المُكرّرة» ولو دون فائدة، أو مع العِلْم المُسْبَق أنّها ستُحال إلى اللجان، ومن ثُمّ السقوط في الهيئة العامة ؟.

عن أي دولة قانون نتكلّم، ما دام الهدف دولة أشخاص وليس دولة قانون.

مُردّدين مع «جورج واشنطن» (الرئيس الأوّل الأميركي الراحل 1732-1799) قَوْلَهُ: «نُريد أن نَبْني دولة قانون لا دولة أشخاص».

فأين نحن اليوم مِنْ هذا القَوْلْ ؟؟؟.