ماضٍ من الإشكالات العقاريّة بين بشرّي وبقاعصفرين... تقصير رسمي تُقابله فوضى على الأرض

مع كل موسم صيف، تحدث بعض الإشكالات والتجاوزات المرتبطة بموضوع المياه في القرنة السوداء بين أشخاص من بشري، ورعاة ومزارعين من الضنية، ولا سيما من منطقة بقاعصفرين، من جرّاء التعدّي على مياه البرك التي تتشكل من ذوبان الثلج، والتي يقول أبناء بشري إنها تغذي المياه الجوفية في منطقتهم، وترفدها عبر البواليع بالمزيد من الخير الذي يحول دون الشح في فصل الخريف.

في المقابل، يرى أبناء الضنية في مياه هذه البرك شريان حياة لمزروعاتهم الصيفية في بقاعصفرين وجرد النجاص، وخزاناً طبيعياً لارتواء قطعانهم التي يرسلونها صيفاً إلى الجرود، ويستقدمون الجرافات والحفارات للحفر لمد النباريش وجر المياه من البرك إلى حيث يرغبون، ويعتبرون أن هذه البرك تقع في نطاق الضنية العقاري، ولهم حق الإفادة من مياهها، فيما أهالي بشرّي يعتبرونها في نطاق منطقتهم الجغرافي. وسبب الاختلاف في النظرتين الجغرافيتين يعود إلى كون المساحة في الجرود الشمالية لم تُحسم هويّتها حتى الساعة، ولا تزال "تقريبية"، ولهذا يدّعي كلّ طرف منهما ما يدّعيه.

الخلاف العقاري بين بشري وبقاعصفرين، أو الخلاف على المياه كما يسمّيه البعض، قديم جدّاً ومرّ بمراحل عدّة ومختلفة بين مفاوضات حيناً، ومشاحنات وسخونة أحياناً. وتطوّرت الأمور في كثير من المرّات إلى إطلاق نار واتهامات متبادلة بخرق قوانين الحماية البيئية وتحديداً القرار الرسمي الذي أصدرته وزارة البيئة عام 1998 بتوقيع من الوزير السابق أكرم شهيّب، وفيه صُنّف جبل المكمل – القرنة السوداء من المواقع الطبيعية الخاضعة لحماية وزارة البيئة، ويُمنع القيام بأيّة منشآت أو نشاطات بشرية عليها.

وقد وصلت الأمور في بعض الأحيان إلى إطلاق النيران على القطعان والرعاة وإلى توقيف العمل في إنشاء بركة لتجميع المياه من قبل المشروع الأخضر ووزارة الزراعة في محلة تلة سمارة في القرنة السوداء، لتذهب مياهها لأهل بقاعصفرين.

واتخذ النزاع على جغرافية القرنة في أحيان عدة طابعاً طائفياً حتى غدا كأنه تطييف لأعلى قمم لبنان، ولا سيما بعد أحداث الضنية وفتح الإسلام والحديث عن تدريبات لداعش في المنطقة المحاذية للقرنة من جهة الضنية.

وتجنّباً لتطوّر الخلافات المستمرة فصولاً منذ سنوات، تشكلت لجنة قضائية عقارية من أجل مسح العقارات وتحديد حدود المشاعات بين بشري وبقاعصفرين، ولكن أحوال الدولة المهترئة في السنوات الأخيرة، والظروف الصعبة التي توالت مع انتشار كورونا وحصول الانهيار حالت دون توصُّل اللجنة إلى النتيجة المرجوّة، واستمرت المشاحنات ولكنها لم تصل إلى حدود القتل في السابق.

اليوم، وبعد التطورات التي حصلت أمس السبت ومقتل شابين من بشري، يعوّل الجميع على الدولة، ولكن الانتظار طال ولم يعد الوقت في مصلحة أحد، فالمطلوب الإسراع في إنجاز ترسيم جغرافية القرنة حقناً للدماء ومنعاً للإشكالات المتجدّدة كل عام، وإلّا فليُعلن الجيش القرنة منطقة أمنية أو عسكرية له وحده حق التصرّف بها، إلى حين الفرج.