لبنان والمحاولة الأخيرة لحلّ الخلاف الخليجي... تسخين لمعركة أو لتسوية؟!

على وقع التسابُق مع الوقت، قبل خروج الرئيس الأميركي دونالد ترامب من السلطة في 20 كانون الثاني القادم، تُستكمَل الترتيبات الأميركية لملفات رئيسية في الشرق الأوسط، بما يُمكنه قطع الطريق على أي استثمار إيراني، أو ربما إيراني - تركي، في مرحلة ما بعد دخول الرئيس الأميركي المُنتَخَب جو بايدن، المشهد العالمي. 

محاولة أخيرة

فبعد أيام من الإعلان عن اتّصال هاتفي بين الرئيس الإيراني حسن روحاني، وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، اعتبر خلاله روحاني أن التحوّلات الدولية الجديدة تشكّل فرصة حقيقية للحوار والتفاهُم بين دول المنطقة، أُعلِن خلال الساعات الماضية عن أن مستشار ترامب جاريد كوشنر، سيزور المنطقة خلال الأيام القليلة القادمة، للقاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وأمير قطر، في محاولة أخيرة لحلّ أزمة الحصار الخليجي العربي على قطر، بالإضافة الى حلّ الخلاف حول تحليق طائرات الخطوط الجوية القطرية في أجواء السعودية والإمارات.

وهذا يعني وجود مساعٍ أميركية حثيثة لتخفيف الإعتماد القطري على إيران مستقبلاً، على مستويات مختلفة، ستكون لها انعكاساتها على المنطقة عموماً.

شراء السلام

ففي عام 2008، لُزِّمَت المنطقة الى الدوحة بنسبة لا بأس بها، على ضوء محاولات شراء السلام من إيران بأي ثمن، وعلى وقع اقتراب انتهاء ولاية الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الإبن، وأحداث 7 أيار في لبنان، وضُعف الدور الخليجي العربي في المنطقة، والتدخُّل السوري - الإيراني الكبير في الملف اللبناني. وهي معطيات تغيّرت اليوم، بعد الحرب السورية، وحرب اليمن، وسياسات الضّغط الأميركية الأقصى على طهران، والإنتعاشة الخليجية السعودية - الإماراتية المتصاعدة منذ عام 2016، والتي أدّت الى محاصرة قطر في عام 2017، بسبب قُربها من تركيا وإيران. 

تغيير أو تعديل

رأى الوزير السابق رشيد درباس أن "كل محاولات ترتيب الأوضاع، خلال الفترة الإنتقالية الأميركية الحالية، ستكون مُعرَّضَة إما للتغيير أو للتعديل مستقبلاً، وذلك بحسب توجُّهات السياسة الأميركية الجديدة مع بايدن، والتي ستستغرق مرحلة وضوحها بعض الوقت. ولهذا السبب، تحصل محاولات حالياً، للإستفادة من الوقت الضائع، بهدف ترتيب بعض الأمور".

ولفت في حديث الى وكالة "أخبار اليوم" الى أن "أكبر قاعدة أميركية في المنطقة موجودة في قطر. ورغم "الهدّ والقدّ"، إلا أنه لولا الحماية الأميركية لها (قطر)، لما كانت تمثّل شيئاً. ومن هذا المنطلق، ستضطّلع الدوحة بأدوار مستقبلاً، رغم مَيْل حكّامها الى التحالُف مع تركيا، والى العطف على "الأخوان المسلمين". ولكن عندما يقرّر الأميركيون أن هذا الدور يجب أن يتغير، فإنها (قطر) ستغيّره. وبالتالي، إذا كانت توجد محاولة لتنظيم منظومة عربية شاملة خلال المرحلة الإنتقالية الأميركية الحالية، تقف في وجه إيران، فإنه يُمكن لتلك المحاولة أن تقدّم نتائج موقّتَة الآن، لتُنقَض أو تُثبَّت مع بايدن في وقت لاحق". 

تسخين الأرض

وردّاً على سؤال حول المتغيّرات التي من الممكن أن يشهدها الدّور القطري في المنطقة مستقبلاً، لا سيّما على ضوء دور الدوحة في الملف الأفغاني حالياً، والمُرحَّب به أميركياً، أجاب درباس:"لا يُمكن فصْل الدّور الذي حظيت به الدوحة في المنطقة عام 2008، عن المفاوضات بين القوى الكبرى وإيران، حول الملف النووي الإيراني، وبروز توجّه لتسوية دولية مع طهران منذ ذلك الوقت".

وتابع:"حصلت التسوية، واُفرِج عن الأموال الإيرانية، دون رسم حدود للنّشاط الإيراني في المنطقة. وهو ما جعل طهران تتمادى أكثر، الى درجة أنها أصبحت متجذّرة في أربع دول عربية باعتراف إيراني، هي العراق وسوريا ولبنان واليمن، بأذرُع لأمبراطوية إيرانية تحاول أن تتحكّم بمضائق وممرّات المنطقة".

واعتبر أن "سياسة ترامب التي عملت مع إيران بالعقوبات، والتسريع بالتطبيع الخليجي العربي مع إسرائيل، تعني أن المنطقة العربية أخذت خيارها في اعتبار أن الخطر الإيراني يتقدّم على سواه. ولهذا السبب، ترتّب الدول الخليجية العربية أوضاعها الداخلية لمجابهة الخطر الإيراني".

وختم:"بدا مُلفتاً أمس موقف الإمارات الذي توجَّس من اغتيال العالِم النووي الإيراني محسن فخري زاده، وذلك لأن هذا الحدث يثير الاحتدام على حدودها، ويصيبها بشظايا منه. ولكن الثابت هو أن المنطقة تغلي حالياً، دون توفُّر شرارة كبرى، وهو ما يعني تسخين الأرض لمعركة، أو لتسوية".