قائد الجيش ورئاسة الدولة

أضاف نوّاب الطائف عام 1990، وفي جلسة تعديل الدستور، فقرة ثالثة إلى المادة /49/ من الدستور، مَنَعَتْ بموجبها إنتخاب القُضاة وموّظفي الفئة الأولى، وما يُعادلها في جميع الإدارات العامة والمؤسسات العامة، وسائر الأشخاص المعنويين في القانون العام، وطوال مدّة قيامهم بوظيفتهم، وخلال السنتين اللتين تَليان تاريخ استقالتهم وانقطاعهم فعليّاً عن وظيفتهم، أو تاريخ إحالتهم على التقاعد.

تناولت هذه الفقرة الموّظفين المدنيين من قُضاة وإداريين. لكّنها لم تنُصّ على العسكريين. غير أنّ مجلس النواب، وحين أراد انتخاب قائد الجيش العماد إميل لحّود رئيساً للجمهورية عام /1998/ عَمَدَ إلى تعديل الفقرة المذكورة، بأن أضاف إليها فقرة تنُصّ على أنّه ولمرّة واحدة وبصورة إستثنائية، يجوز انتخاب رئيس الجمهورية من القُضاة أو موّظفي الفئة الأولى... وذلك في القانون الدستوري الرقم 687 /1998 تاريخ 13/10/1998.

 

وبذلك، يكون المشترع قد صنّف قائد الجيش من عداد موظّفي الفئة الأولى، والتي تنطبق عليه أحكام الفقرة الثالثة المُضافة على المادة /49/ من الدستور.

 

وبالتالي، واستنادًا لما تقدّم، يُصبح إنتخاب قائد الجيش العماد جوزف عون رئيساً للجمهورية، في حاجة إلى تعديل دستوري.

 

وبحال الإتّفاق السياسي، والإجماع على انتخاب قائد الجيش رئيساً للجمهورية، تبقى بقية الإجراءات تفاصيل...كذا...، فتُشكَّل حكومة وتنال الثقة، وتُقدّم مشروع قانون تعديل للمادة /49/ من الدستور (شبيه بتعديل الرئيس العماد إميل لحّود عام /2008/) ويُقرّه مجلس النواب عملاً بأحكام المادة /77/ من الدستور، وينتخب العماد جوزف عون رئيساً للجمهورية.

 

لكّن الثابت، أنّ طبخة الرئاسة الأولى لم تنضج بعد. وسيعجز مجلس النواب عن انتخاب الرئيس في المهلة الدستورية، والمنصوص عنها في المادة /73/ من الدستور، وسيدخُل لبنان في فراع رئاسي، أقلّه حتى نهاية العام الجاري، وستتسلّم حكومة تصريف الأعمال صلاحيات رئيس الدولة وكالةً، حتى إنتخاب رئيس عتيد، عملاً بأحكام المادة /62/ من الدستور.

 

السؤال المطروح، ماذا لو عجز مجلس النواب عن انتخاب رئيس الجمهورية، وتحوّل إلى هيئة إنتخابية ولم يَعُد هيئة تشريعية، عملاً بأحكام المادة /75/ من الدستور، وصار الإتفاق على إسم العماد جوزف عون رئيساً للجمهورية. هل يكون انتخابه مُتعذّرًا بسبب عدم القدرة على تعديل الدستور، ويسقط خيار العماد جوزف عون؟

 

شهِد لبنان حالة مُماثلة، حين صار انتخاب الرئيس العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية في تاريخ 25/5/2008، في جلسة حضرها /127/ نائبًا (بعد أن كان قد حصل اغتيال النائب أنطوان غانم) حيث إنتُخب الرئيس ميشال سليمان بأكثرية /118/ صوتاً.

 

في مستهّل الجلسة عارض النائب بطرس حرب انتخاب قائد الجيش من دون تعديل دستوري للفقرة الثالثة من أحكام المادة /49/ من الدستور. أيّده بذلك النواب الرئيس حسين الحسيني، والنائب نايلة معوّض، والنائب جورج عدوان بإسم كتلة نواب «القوّات اللبنانية». غير أنّ الرئيس نبيه برّي أصرّ على دستورية الانتخاب، متسلّحاً بدراسة قدّمها الوزير السابق بهيج طبّارة، معتبرًا أن الإنتخاب يتّم استنادًا إلى المادة /74/ من الدستور، وليس وفقاً للمادة /73/ منه، كَون سُدّة الرئاسة خالية منذ 23/11/2007 تاريخ إنتهاء ولاية الرئيس إميل لحّود.

 

وبالتالي، إعتبر رئيس مجلس النواب، أنّه وبعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية دون إنتخاب رئيس عتيد، يُصبح المرّشح والذي تنطبق عليه أحكام الفقرة الثالثة من المادة /49/ من الدستور، مُحرّرًا من أي قيد أو شرط، وفي استطاعته تبوُّء سدّة الرئاسة، من دون ولوج أي تعديل دستوري على الإطلاق.

 

علماً، أنّ هذه النظرية وهذا التفسير، بقي ولمّا يزل موضوع بحث وجَدَل. منهم مَن يؤيّد نظرية الرئيس نبيه برّي ومنهم مَن يُعارضها.

 

لكن ما جرى، أنّه لم يُطعن بهذه الانتخابات يومها أمام المجلس الدستوري، وفقاً لأحكام المادة /23/ من القانون الرقم 250 /1993 المُعدّل، ضمن مهلة 24 ساعة، بمراجعة يوّقعها ثلث عدد أعضاء المجلس النيابي...كذا...، لأنّه لَوْ طُعِن، لكان المجلس الدستوري قد فَصَلَ بصحّة هذه الإنتخابات مِنْ عَدَمِها.

 

أمّا اليوم، فالمجلس النيابي، وفي حال ذهب إلى إنتخاب قائد الجيش العماد جوزف عون رئيساً للجمهورية، بعد نهاية ولاية الرئيس ميشال عون. يبقى هذا الإنتخاب صحيحاً ومُنتِجاً، ما لم يُطعَن به أمام المجلس الدستوري خلال مهلة 24 ساعة من تاريخ إعلان النتائج. حيث يفصل المجلس الدستوري حينها هذا النزاع الدستوري، بِقرار نهائي مُبرَم.

 

علماً، أنه وَلَوْ كان الإنتخاب باطلاً لِمُخالفته أحكام الفقرة الثالثة من نص المادة /49/ من الدستور (حسب رأي البعض) فإنّه يبقى صحيحاً ومُنتجاً، في حال عدم الطعن به دستورًا. وكم من القوانين والتي تصدر مُخالفة للدستور، ولا يُطعن بها، وتُصبح نافذة؟؟؟