عين شركات التداول على أموال اللبنانيين في المنازل: الرقابة غائبة مع غياب دور هيئة الأسواق المالية!

مذ سقطت الخدمات المصرفية، وتحوّلت التبادلات المالية بين اللبنانيين إلى الـ"كاش"، كثر الحديث عن مليارات من الدولارات النقدية التي تراكمت في خزائن المنازل ومخابئها، مع ما تشكله من خطر أمني على أصحابها وعائلاتهم. هذه المبالغ الخيالية أصبحت هدف عصابات السلب، وكذلك حلم مجموعة من قنّاصي الفرص الذين يعيشون على هامش الأزمات، ويسترزقون من أوجاع بعض الناس وسوء ظروفهم، مستغلين عدم معرفتهم بدقائق القوانين والاستثمارات المالية.

فكما أنتج غياب الكهرباء والماء والهاتف والإنترنت، قطاعات موازية بديلة غير شرعية، حلت مكان الدولة وأفلحت في تقديم خدماتها للمواطنين، هكذا وبالظروف عينها، والاطمئنان إلى أنه لا حسيب ولا رقيب يردع المخالفات ويفرض تطبيق القانون، نشأت على هامش الأزمة المصرفية، سوق موازية لبيع وشراء الأسهم، والاستثمار في البورصة، غير شرعية وغير قانونية.

فإلى جانب شركات مالية متخصصة ومرخص لها بتبادل وتداول الأسهم في البورصة، نشأت شركات ومؤسسات "سمسرة" غير قانونية، لا تحوز تراخيص شرعية صادرة عن #مصرف لبنان، عملت على مساحة الوطن، وأوقعت لبنانيين كثراً في فخ الاستثمار عبرها.

تعمل هذه الشركات خارج النظام المالي اللبناني، وتقدم خدماتها واستشاراتها في الاستثمار بالأسهم والسندات لمواطنين لا يدرون ماذا يفعلون "بمصرياتهم الكاش"، وهم يلهثون خلف الكسب السريع، ليجدوا أنفسهم بعدها مع مدخراتهم، في مهبّ شرك احتيالي واستغلال من شركات وهمية.

يقدّر بعض الخبراء حجم النقد الـ"كاش" المخبأ في المنازل بعشرة مليارات دولار، فيما يقدّر خبراء آخرون حجم المبالغ المستهدفة من عصابات شركات "سمسرة" الأسهم وأسواق المال الوهمية، بمليارين ونصف مليار دولار، يملكها مواطنون لا يحوزون أدنى معرفة في أساليب وآليات شراء الأسهم.

خسر لبنانيون كثر في الأعوام الأخيرة أموالهم وجنى أعمارهم لدى هذه الشركات التي ادّعت أنها تعمل وتستثمر في الأسواق والبورصات العالمية، وتقدم استشارات في عالم المال والأعمال. بيد أن أسوأ فصول هذه المأساة، هو أن تلك الشركات والمؤسسات كانت تعمل علناً، ولا يزال بعضها أيضاً يعمل و"على عينك يا دولة" طوال تلك السنوات، وتقوم بأوسع الحملات الإعلانية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولم ينبر أحد ليوقف عملياتها المشبوهة، إلّا أخيراً، ومنعها من سرقة المواطنين "السذّج" الذين وقعوا ضحيّة جهلهم قوانين وقواعد الاستثمار في الأسهم والأوراق المالية.

من يعطي الرخص؟

ارتفعت في الآونة الاخيرة وتيرة الاحتيال في تجارة الأسهم والسندات، ولكن المشكلة وفق قانونيين أنه في حال التخلف عن سداد الودائع بإمكان المودعين رفع دعوى إفلاس في وجه المصرف، فيما تعتبر القيم المنقولة من أسهم وسندات أمانة، وتالياً على الشركة إعادتها بقيمتها الفعلية كما هي وإلا تُتّهم بالجرم الجزائي. وفيما أوقفت الأجهزة الأمنية بناءً على اشارات قضائية شركات عدة عن العمل آخرها في #النبطية، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما الحل النهائي لهذه المعضلة؟ وما الدور الرقابي لهيئة الأسواق المالية التي تمنح الرخص لشركات التداول؟

تقدم شركات التداول المرخصة في لبنان للمستثمرين فرصة التداول في العملات الأجنبية والعقود مقابل الفروقات والمعادن الثمينة وغيرها من الأدوات المالية. وتحصل هذه الشركات على رخص العمل من هيئة الأسواق المالية، إذ ثمة رخص للتداول ورخص لمكاتب مخوّلة إعطاء النصح والاستشارات المالية، ورخص أخرى لإدارة رؤوس أموال الأفراد.

مصادر "الهيئة" تؤكد أن "ثمة دفتر شروط يطلق عليه اسم "دفتر شروط 2000" تعتمده هيئة الأسواق المالية وتمنح التراخيص على أساسه، وهو يتضمّن شرحاً مفصّلاً لكل من يريد الحصول على رخصة. وتحدّد الهيئة أيضاً الخدمات التي لا تحتاج الى رخصة لكونها لا تتعاطى بالتداول ويقتصر عملها على تعريف الزبائن إلى الشركات التي تعمل في مجال التداول".

وتوضح المصادر عينها أن "الكثير ممّن يعملون في مجال التداول يعرّفون عن أنفسهم كوسطاء بين الشركات والأفراد بهدف التنصّل من الحصول على رخص، وقد أوقف البعض منهم أخيراً في النبطية. فأيّ شخص يتقاضى مبالغ من الزبائن أو يتداول بالأسهم، شراءً أو بيعاً، أو يعطي نصائح مالية من دون أن يستحصل على رخصة تخوّله العمل في هذا المجال، هو مخالف للقانون ويجب أن يعاقب بغية حماية المستثمرين".

وبالحديث عن طبيعة عمل الشركات الحائزة رخصاً من الهيئة، تلفت المصادر الى أنها مقسّمة الى 3 أنواع: شركات مالية، وشركات وساطة مالية، والمصارف التي تعمل أيضاً في هذا المجال. هذه الشركات تعمل بالتنسيق وتحت إشراف كل من مصرف لبنان والهيئة المالية في آن واحد.

دور وحدة الرقابة في الهيئة كان في السابق مهماً وأساسياً، لكونها كانت تراقب عمل كل المكاتب والشركات المالية. أما اليوم فأصبح الأمر أكثر صعوبة، إذ تؤكد المصادر أن الوحدة لم تعد تضم سوى موظفة تعمل بمفردها من دون أن يكون ثمة قرار للتوظيف. لذا من المفترض أن يعمل القضاء على كشف تجاوزات الشركات المالية خصوصاً أن بحوزته كل المعلومات عن الشركات المخالفة للقانون.

لا تقتصر الشركات غير المرخصة على الشركات التي أوقفت عن العمل في النبطية، إذ تقدّر المصادر عددها بنحو 75 شركة تشكل خطراً على الكثير من المستثمرين. ولا تنفي المصادر أن ثمة عدداً من الشركات الأجنبية منحت رخصاً كالشركات المحلية لكن من المرجح أن عملها توقف في لبنان وانتقلت الى دول أخرى مثل دبي.