حوش السيد علي والقرى المجاورة: "جبهة إسناد" في الهرمل

كتبت لوسي بارسخيان في المدن:

قفز العدوان الإسرائيلي الأخير على بلدة "حوش السيد علي" في أقاصي منطقة الهرمل البقاعية، عند الحدود اللبنانية الشرقية الملاصقة لقرى وبلدات منطقة القصير، الممتدة على مساحات شاسعة من محافظة حمص السورية، إلى واجهة الأحداث اللبنانية ليل الجمعة، بعد ما ذكر عن ثلاث غارات متتالية شنّها الطيران الإسرائيلي على المنطقة وبلدات سورية مجاورة، مستهدفاً خزانات وقود تابعة لحزب الله، وعدد من المنشآت وصهاريج المازوت.

لم تنفصل تلك الغارات عن الاستهداف الإسرائيلي المباشر لبيئة حزب الله. وقد أتت في سياق غارات مشابهة شُنت على بلدة تقع بعمق الخزان البشري للحزب الذي تشكله محافظة بعلبك الهرمل، خارقة قواعد الاشتباك المحددة منذ فتح جبهة الإسناد لغزة، حتى قبل أن تنزلق الأحداث إلى ما شهدته الضاحية الجنوبية من اعتداءات مباشرة.

إلا أن تحديد حوش السيد علي من ضمن الأهداف العدوانية المتكررة لإسرائيل، يضيء على سيرة هذه البلدة وخصوصيتها الجغرافية والديمغرافية، والتي جعلت أدوارها تتنوع على مدى سنوات طويلة، لتضعها في صلب أحداث عديدة، لم تكن المواجهة المباشرة مع إسرائيل قبل حرب غزة من ضمن حساباتها.

زيتا، حاويك، الفاضلية، مطربا، مصرية، الصفصافة، حمام، سيغمانية، وادي حنا، برج الحمام، جرماش ربلة، السويدية، بجاجية، فاروقية، جنطلية، عين دمامة، اكوم، العصفورية، غوغران، بلوزة، السماقيات.. هي القرى اللبنانية التي تقع بمحاذاة معبر حوش السيد علي، ولكن على ضفة الأراضي السورية. وهي منطقة سكنية واسعة تتميّز بأنّها مُتداخلة جغرافيّاً، حيث يقطنها لبنانيّون لديهم مزارع وحقول داخل الأراضي السورية ويقومون بتصريف إنتاجهم إلى داخل الأراضي اللبنانيّة.

أما في حوش السيد علي تحديداً، فيمكن الحديث عن دور ومفعول أكبر من مساحة البلدة الصغيرة. فشكل الإصبع الذي تتخذه البلدة، يجعل لها إمتدادات داخل الأراضي السورية فلا يفصل بين طرفي البلدة اللبناني والسوري سوى ساقية مياه، أقام عليها سكان المنطقة جسوراً فردية تنقلهم من سوريا إلى لبنان عبر منازلهم.

إلا أن هذه الجسور ليست هي معابر التهريب، وإنما هي نقاط العبور غير النظامية التي عبدت بشكل جيد، لتنشط أدوارها على مراحل تاريخية طويلة، من دون أن تنجح حتى الإجراءات العسكرية المتشددة بلجمها كلياً.

قبل اندلاع الثورة في سوريا وانزلاقها إلى حرب داخلية تورط فيها حزب الله أيضاً، كجبهة إسناد للنظام السوري، بقي دور معابر حوش السيد علي غير الشرعية، الأشهر بين معابر تهريب البضائع. ارتاح فيها تجار الحدود، وهم من أفراد العصابات التي احتمت بعباءات العشائر، مستغلة تداخل الأراضي بين البلدين، وتواطؤ جيش الهجانة السوري لتمرير البضائع السورية المدعومة، ولا سيما مادة المازوت الى لبنان.

بقيت مفاتيح هذه المعابر حكراً على مهربي المنطقة، الذين أطلق كل منهم إسمه على معبر تهريب خاص، فشكلت بالنسبة لهم "بورا جافا"، تتحكم به العشائر ومن يدور في فلكها، إلى أن بدأت الحرب في سوريا.

 بمقابل ازدهار تهريب البضائع وتفلته من كل العقبات خلال فترة الحرب، وما خلفته من فوضى عارمة على المعابر غير الشرعية، برز دور لمعبر خاص، أطلق عليه إسم معبر حزب اللهجيدود سوىهتنيته العسكرية بسوريا المنطقة، فهيمن على كل الأدوار السابقة.

قبل صهاريج "فك الحصار" التي استحضرها حزب الله من إيران ومرت عبر سوريا إلى لبنان من بوابة حوش السيد علي تحديداً، شكل هذا المعبر نقطة إمداد استراتيجية للحرب التي خيضت إسناداً للنظام السوري في منطقة القصير.

منذ ذلك الحين يقبض حزب الله على معبره في هذه المنطقة، وهو بقي متفلتاً من كل الإجراءات العسكرية التي اتخذها فوج الحدود البري العسكري لتقييد حركة سائر المعابر المنتشرة في المكان.

وضع فوج الحدود قسماً كبيراً من حركة الحدود تحت مجهر أبراج المراقبة التي جهز بها. وقد جاءت هذه الإجراءات عقب فلتان واسع على مختلف المعابر غير الشرعية، ساهم باستنزاف ودائع اللبنانيين في المصارف، والتي أنفقت في دعم المحروقات والطحين والأدوية وبعض المنتجات الغذائية، التي شكل تهريبها إلى سوريا عاملاً أساسياً من عوامل تخفيف وطأة عزلتها الاقتصادية المترتبة عن عقوبات قانون قيصر.

إلا أن هذه الإجراءات وقفت على باب معبر "حزب الله". فبقيت بلدات القصر والحوش وسهلات الماء تشرف على كل عمليات التنقل التي تجري بغطاء حزبي على هذه المعابر... إلى أن رصدت إسرائيل حركتها. فاستهدفت بغاراتها منطقة تبعد 140 كيلومترا عن حدودها الشمالية مرتين. وكانت المرة الأولى في 11 حزيران الماضي عندما أطلقت تسعة صواريخ، وفقاً لما ذكرته وكالة فرانس برس نقلاً عن مصدر عسكري، استهدفت ناقلات نفط، بالإضافة الى مبنى دمر بالكامل، من دون أن تتوضح لاحقاً أية تفاصيل إضافية. هذا في وقت تحدثت المعلومات عن ثلاث غارات إسرائيلية استهدفت مساء الجمعة شاحنات صهاريج في منطقة حوش السيد علي، مما أدى إلى إصابة سائق سوري. بينما تحدث ناشطون عن استهداف مركز حزبي ومستودع أسلحة، وأيضاً من دون إيضاحات إضافية. فهل اكتشفت إسرائيل في البقاع جبهة إسناد لحزب الله في معركته الأساسية التي يخوضها إنطلاقاً من الجنوب اللبناني وقراه المتاخمة للحدود معها؟