بالصور- كرباج يشارك في افتتاح متحف نجيب محفوظ: عملاق روائي نفتخر به

ألقى عضو المكتب السياسي الكتائبي الدكتور فرج كرباج كلمة لبنان في افتتاح متحف الروائي نجيب محفوظ والى جانبه وزير الاثار المصري د.خالد العناني ووزيرة الثقافة د. ايناس عبد الدايم ومحافظ القاهرة اللواء خالد عبد العال وابنة محفوظ هدى والمهندس ابراهيم المعلم رئيس مجلس إدارة شروق واحمد بدير مدير عام دار الشروق  وعدد من السفراء والدبلوماسيين والشخصيات العامة البارزة .

وقال:" 

من أرض أرز الربّ إلى أرض النيل أرض الكنانة،

من بيروت أمّ الشرائع إلى مصر أمّ الدنيا،

من فخامة الرئيس أمين الجميّل وحزب الكتائب، من كلّ لبنان ألف تحيّة وسلام إلى روح الروائيّ الغالي نجيب محفوظ في عليائه، إلى كلّ أحرار مصر مفكّريها ومسؤوليها عطر بخور أرزنا الخالد،

أصحاب المعالي والسعادة.. أيّها السادة.

 

أتيت من لبنان لأشارك المصريّين فرحتهم بافتتاح متحف صاحب جائزة نوبل للآداب الروائيّ الغالي على قلوب اللبنانيّين الّذين تربطهم بالمصريّين علاقة فكر وانفتاح وتحرّر وهم على شراكة ثابتة ودائمة في النهضة العربيّة.

قبل أن أبدأ مداخلتي عن نجيب محفوظ إسمحوا لي أن أقوم بجولةٍ سريعة عن هذا الرباط الوثيق بين اللبنانيّين والمصريّين.

       I.            أكثر من خمسة وسبعين هم الروّاد اللبنانيّون في مصر مبدعون ومؤرّخون ونقّاد وصحافيّون وشعراء ومسرحيّون وفنّانون وأدباء اعتبروا مصر وطنهم الثاني وانتقلوا برسالتهم النهضويّة إلى العالم العربيّ وإلى العالم بأسره.. مستظلّين الأرز في وادي النيل.

نعم ساهم اللبنانيّون-المصريّون في النهوض بالحضارة العربيّة في أسوأ مراحل انحطاطها يوم كانت تنوء بعوامل التتريك وتحت وقائع التخلّف والإستبداد.

أبدأ بالصحافة الّتي أسّسها لبنانيّون في مصر، نعم أسماء الصحف في مصر كثيرة لكنّ الصحيفة الأولى الّتي استحوذت على الشهرة والإهتمام في كلّ العالم العربيّ هي "الأهرام" الّتي أسّسها اللبنانيّان سليم وبشارة تقلا في الإسكندريّة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وتعاقب على رئاسة تحريرها بعدهما داود بركات الّذي جعلها الأوسع انتشاراً والأكبر في عدد الصفحات في الثلث الأوّل من القرن العشرين ثمّ أنطون الجميّل قبل مرحلة محمد حسنين هيكل.

والمطبوعة الثانية الّتي حظيت بالإهتمام هي مجلّة " المقتطف" الّتي أصدرها يعقوب صرّوف وفارس نمر في بيروت عام 1876 وانتقلا بها إلى مصر عام 1885.

وأشهر المجلات المصريّة الفنيّة "روز اليوسف" الّتي أسّستها فاطمة اليوسف من طرابلس-لبنان.

الحديث عن الصحافة يطول ولكن لا بدّ من ذكر رشيد الشميّل مؤسس جريدة " البصير" في الإسكندريّة، ولا نغفل من آل الشميّل شبلي الّذي اشتهر طبيباً وأديباً ومفكّراً، ولا ننسى الطبيب أمين بشير الجميّل وما كان له من يدٍ طولى في مصر على صعيد الطبّ والإصلاح الإجتماعي بمختلف وجوهه.

وفي هذا المجال الصحفي لا بدّ من ذكر نجيب متري مؤسّس دار المعارف في مصر عام 1865 أكثر دور النشر العربيّة انتشاراً.

سوف أختصر لأقول بأنّ أسماء كثيرة لمعت في الفكر واللغة والشعر والفلسفة منذ القرن التاسع عشر فشغلت الأوساط الثقافيّة العربيّة والّتي انطلق فكرها من مصر وانتشر وما زالت أسماؤهم مدعاة فخر واعتزاز كأنطون الجميّل وشبلي الشميّل وفرح أنطون وخليل سعادة وابراهيم اليازجي ومحمد رشيد ضيا ونجيب الحداد وخليل مطران ويوسف كرم وفيليكس فارس وفؤاد حداد وغيرهم الكثير الكثير.

ويضاف إلى هؤلاء أسعد داغر أحد رموز الحركة الوطنيّة العربيّة وجورج أنطونيوس وجميل نخلة المدوّر.

ويتردّد في ذاكرتي أسماء لبنانيّة كجورج أبيض رائد المسرح العربي في مصر بعد جورج نقاش وبشارة واكيم وعزيز عيد وسليمان القرداحي وجورج أبيض ونجيب الريحاني وروز اليوسف وجميعهم لبنانيّون.

ولم تقتصر الريادة على الرجال بل برزت أسماء نسائيّة نذكر منها إضافة إلى روز اليوسف هند نوفل الّتي أسّست عام 1892 مجلّة الفتاة وترأستها دفاعاً عن حقوق المرأة، وزينب فواز الرائدة في حركة تحرير المرأة ومي زيادة ووردة ناصيف اليازجي ولبيبة الهاشم الّتي أنشأت فتاة الشرق وجمعيّة نهضة السيّدات..

هذا جزء من سيرة اللبنانيّين في مصر واعذروني على الإطالة ولكن لأؤكد على الشراكة النهضويّة بين اللبنانيّين والمصريّين.

 

    II.            أمّا بالنسبة لنجيب محفوظ فاسمحوا لي بدايةً ان أُهنّئ المصريّين وعبرهم كلّ العالم العربي والأجنبيّ وكلّ من أحبّ نجيب محفوظ بهذا الإنجاز الضخم الّذي يجمع كلّ تراثه من ألِفه إلى يائه بالإضافة إلى كلّ ما قيل عنه وما كُتب عن الجوائز العربية والعالميّة إلى حين تتويجها بجائزة نوبل، موثّقاً بصورة مهنيّة وعلميّة.

وبالنسبة لي شخصياً فقصّتي مع مؤلفات نجيب محفوظ تعود إلى زمن دراستي الثانويّة والجامعيّة حيث كانت تربطني بمؤلفاته علاقة لا أعرف مدى تأثيرها عليّ، ولمّا تزل، ممّا دفعني إلى إدراجها ضمن منهاج الجامعة حيث كنت أُدرّس مادة تحليل النصوص فازدادت علاقتي بها حتى الهيام ونقلتها إلى طلاّبي الّذين أدمنوا على قراءتها.

أمّا بعد أيّها السادة، فأذكر جيّداً أوّل ما قرأت كتابه "خان الخليلي" تعلّقت به كمادّة تضمّنت ليس فقط عناصر الرواية كرواية وإنما وجدتُ فيها الفلسفة الإجتماعيّة لتصوير الواقع كما هو وكأنّه مصوّر فتوكرافي لم يترك زاوية في المجتمع المصريّ إلاّ ورسمها بريشة فنان مبدع يهدف من خلالها إلى تصحيح البنية الإجتماعيّة والتربويّة والأخلاقية والإنسانيّة والعاطفيّة و"البيئيّة" بمعنى البيئة الإجتماعيّة وكرّت السبحة مع "السمّان والخريف" و "همس الجنون" و "ميرامار" و"حديث الصباح والمساء" و "اللص والكلاب" و" بيت سيّء السمعة" وغيرها وغيرها من الروايات الّتي أتحفت المكتبة العربيّة وأغنتها بشموليّتها فأضحت مؤلّفاته حديث الكبار والصغار، المثقفين وغير المثقفين، بلغة سهلة جذابة هي لغة الشعب المصريّ القريبة من القلب والعقل والفكر، فتُرجمت رواياته إلى أكثر من لغة وارتفعت به وسمت وارتقت إلى مستوى العالميّة إلى أن تُوِّج بجائزة " نوبل" للآداب.

مهما قيل في نجيب محفوظ يبقى الكثير الكثير كي يُقال، إنّه عملاق روائيّ تفتخر به مصر وكلّ العالم العربيّ.

نجيب محفوظ وأنت في عليائك إطمئنّ ان كل ما زرعته من حروف وكلمات باقٍ اليوم وإلى الأبد في ذاكرة قرّائك ومجتمعك فأنت اليوم في متحف حيّ يتكلّم وينطق بفضلك على المجتمع العربيّ والدوليّ.

سلام عليك من لبنان رفيق الكلمة العطرة أينما وجدت.