باسيل يستشرس في طمأنة النظام السوري في 13 تشرين عوض استرجاع المفقودين

في ذكرى 13 تشرين، توجّه رئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل إلى سوريا برسائل تطمين أرادها عنوان تحية لسوريا ونظامها ومناسبة للتأكيد على ضمان أمنها والحرص على دعمها من خلال ما قام به يوم أمس بالطلب في اجتماع وزراء الخارجية العرب إعادة العمل بعضوية النظام السوري في الجامعة العربية.

لم يسأل رئيس التيار الذي يملك في السلطة رئيس جمهورية و11 وزيرًا وأكبر كتلة نيابية مسيحية، عن المعتقلين في أقبية سجون النظام السوري واستخباراته، بل فضّل الاستمرار في تقديم اوراق الاعتماد لربما هطلت عليه أمطار سلطة تروي غليله.

في ذكرى 13 تشرين 1990، اليوم الذي وقفت فيه كل المكونات اللبنانية إلى جانب الشرعية في مواجهة كل أشكال الدويلات التي كانت قائمة، أسقط باسيل مرة جديدة منطق قيام الدولة بشرعية واحدة خدمة لمنطق الدويلات والمحاور المعروفة، وعوضًا عن الاعتذار من الناشطين والصحافيين وأصحاب الرأي الحر عن كل الممارسات البوليسية التي شهدها لبنان في الآونة الأخيرة، استغلها فرصة للتأكيد على الاستمرار في كم الأفواه، معتبرا انها معركة في مواجهة الكذب والتضليل وأن الوضع الاقتصادي لا يحتمل ما اعتبره شائعات.

كما لم ينس أن يستذكر الشهداء الأبطال الذين صمدوا وواجهوا الاجتياح السوري في 13 تشرين، ولم يهربوا أو يتهرّبوا من أداء واجبهم، في حين ان الكثير من السياسيين اليوم يهربون من حقيقة أن قضية هؤلاء ليست في اولوياتهم السياسية بمجرد انها لا تأتيهم بمراكز في السلطة في زمن الدويلة. ويمكن القول إن رئيس التيار لم يقدم للبنانيين مشهدًا مختلفًا لما تعانيه السلطة من ارباك وتخبط بين مكوناتها، إذ توجه إلى من اعتبره يقف عائقًا امام إرادتهم في التغيير قائلا: "إلى المخرّبين الذين يتطاولون علينا بحراك وحركات، ما ترونه اليوم في الحدث هو مشهد مصغّر لما يمكن أن يكون لتتذكّروا أنّنا تيّار وطني حرّ، وكما الماء نحن، نجرفكم في لحظة لا تتوقّعونها، إن بقيتم منتظرين عند حفّة النهر مرور جثتنا"!

كلام باسيل بعد قداس إلهي أقيم في بلدة الحدت في ذكرى 13 تشرين 1990 واعتبر فيه "أن 13 تشرين هو لكلّ اللبنانيين والتيّار لا يحتكره ولكن لا يسمح لأحد بسرقته كما حاولوا ان يسرقوا منا 14 آذار لأننا ما احتكرناه وفرحنا عندما انضموا الينا، ولكن عندما حاولوا سرقته، هم انتهوا ونحنا بقينا ولا زلنا نحتفل فيه لأننا نحن أساسه".

وتوجه باسيل للضباط والعسكريين المتقاعدين: "اجعلوا من مكانتكم الخاصة عند الناس قوّة تغيير إيجابي ولا تحوّلوها إلى طاقة سلبيّة ولا تسمحوا للبعض بأن يتحولوا إلى قطّاع طرق اعتقاداً انّكم هكذا تفتحون طريقكم الى السياسة".

كما أعلن أنه سيذهب الى سوريا ليعود الشعب السوري الى سوريا كما عاد جيشها، معتبرا ان السيادي الحقيقي يريد سوريا بجيشها وشعبها ونازحيها بينما السيادي المزيّف يريد أن يبقى نازحوها في لبنان ومشكلته أنه مختلف مع النظام السوري.

وقال باسيل: "قبل نكبة فلسطين كان للبنان رئتان، والآن اصبح برئة واحدة، فسوريا هي رئة لبنان الاقتصادية: خسرنا الرئة الأولى بسبب اسرائيل، فهل نخسر الرئة الثانية بسبب جنون الحقد أو جنون الرهانات الخاطئة والعبثيّة، فنختنق وننتهي ككيان"؟

غير أنّ باسيل نسي أن المنطق نفسه لو أخذ به في 13 تشرين 1990 لما كانت مقاومة ولا كرامة ولربما كنا استسلمنا من اللحظة الأولى.

 نسي باسيل أو تناسى أن هذه الرئة لا يمكنها أن تتنفس سوى حرية، لأننا قوم إذا ما خُيّرنا بين حريتنا وكرامتنا وأي شكل من أشكال الحكم الأخرى لما فكرنا مرتين، وعليه أن يعرف أن الأوطان لا تُبنى على "حيط كرامة واطٍ" فقبل اعتذار النظام السوري عن كل ارتكاباته ومجازره وعمليات تفجيره المتنقلة، وقبل إعادته المعتقلين أحياء أو جثامين لا يمكن القول إن العلاقة طبيعية وكرامة شعبنا مصانة. هذا ملك الذاكرة اللبنانية المشتركة وحق علينا أمام شهدائنا.

باسيل كرّر عزمه مواجهة أي صفقة على حساب وحدة لبنان، ومواجهة توطين اللاجئين أو النازحين، معتبرا أنه تهديد وجودي باستخدام الديمغرافيا من أجل تصفية الكيان، وسنواجه أي إلغاء لأي طائفة، لأن في ذلك الغاء للبنان، لكن نسي أيضا أنه في الحكم منذ اندلاع الحوادث في سوريا، وقد شارك في حكومات متعاقبة بـ 10 وزراء في إحداها، يوم اندلعت الحوادث واليوم بـ 11 وزيرًا لكن حتى الآن لم يسمع الشعب اللبناني سوى الخطابات الرنانة في هذا المجال من دون اللجوء إلى أي خطة أو استراتيجية عملية لتفادي تبعات هذه المشكلة الكارثية على لبنان.

ولو كانت الخطابات الرنانة هذه تعود إلينا بفائدة لكنا استعدنا الأندلس. أمّا ايجابيات خطاب باسيل فكانت مصارحته الشعب اللبناني إذ قال: "أنا أريد أن أصارح شعبنا بأن معظم حكامه لا يبدون مستعدّين للتغيير، فهم أصحاب ذهنية تستسهل التبعيّة والتسليم للحرب الاقتصاديّة التي تشنُّ علينا وتوهمنا أننا مفلسون منهارون، فيما نحن أغنياء إنّما منهوبون"! واعتبر أن "مصلحة الخارج تتلاقى مع الداخل بتحميلنا مسؤولية الوضع الحالي وكأنّنا من سبّبه وليس من يقاومه، وتريد التخلّص منا لأنّنا نعيق لها استمرار مسار التسعينيات في تجويف الدولة ونهبها وتركيب الديون الباهظة عليها، مشيرا الى أن هذا اسمه 13 تشرين اقتصادي وخطورته انّه آتٍ من بُنية النظام ومن منظومة الفساد العميقة في الدولة...!"

نعم سيواجه الوزير باسيل... لكن مَن وكيف؟ ربما من المجدي مصارحة اللبنانيين بذلك أيضا لأن من يتقاسم السلطة منذ الـ 2005 مع من يدعي مواجهتهم لا بد له أن ينورنا كيف سيواجههم؟ هؤلاء هم علّة وجود العهد وأركان السلطة التي أعدتم تكوينها سيّدي الوزير، وتتحدثون عن مواجهة!!!؟ يمكن في مكان ما الحديث عن غدر تشرين الذي يشبه ما تقوم به السلطة بحق الشعب اللبناني لا عن 13 تشرين إقتصادي، غدرٌ لم يقتصر على شهر واحد بل امتدّ على السنة بفصولها الأربعة.

هذا ولم ينس باسيل توجيه مزيد من السهام إلى شركائه في السلطة نفسها وقال: "نحن نقدّم الأفكار والقوانين والحلول... فبماذا نواجه أو نجاوب؟! بأنّنا نعتدي على الصلاحيات! أو أننا نعتدي على المحرّمات! فإلى متى نتحمّل؟ صرنا نحن المتّهمين والمقصّرين والمسؤولين".

أمام هذا المشهد السوريالي لا بد لفجر الحقيقة والحرية من أن يبزغ بعد ليل الكذب الطويل، ويمكن للبعض أن يبرّروا فشلهم وتقاعسهم وتخلّيهم عن منطق الدولة بجيشها الواحد وحصرية السلاح بيد السلطة الشرعية فقط، يمكن أن يُستّروا على ارتكاباتهم مرة، لكن لا يمكن أن ينجحوا في كل مرة، إذ لا بد للبنانيين من لحظة انتفاضة على هذا الواقع الأليم، فلبنان لا يمكن أن يُحكم بعكس حقيقته التاريخية.

جيلبير رزق