"المرونة" الإيرانية وإمكان انسحابها على لبنان

تابع مراقبون باهتمام إعلان المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي قبل يومين لدى استقباله حكومة الرئيس الجديد مسعود بزشكيان، فتحه الباب أمام فرصة استئناف المفاوضات مع الولايات المتحدة في شأن البرنامج النووي الإيراني، مؤكدا أن "لا "ضرر في التعامل مع العدو". هذا الموقف ليس جديدا، إذ سبق لخامنئي أن حض على إجراء محادثات مع واشنطن أو حتى على رفضها بعدما انسحب الرئيس دونالد ترامب من جانب واحد من الاتفاق النووي عام 2018. الجديد أن هذا الموقف يرافق رئيسا "إصلاحيا" جديدا، فيما وزير خارجيته عباس عراقجي ينشط بقوة على خط إجراء اتصالات ديبلوماسية كثيفة بالدول الأوروبية على نحو لافت، وكذلك بالدول الإقليمية. توازيا، ساومت إيران ولا تزال على ضربة تقول إنها ستوجهها إلى إسرائيل ردا على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنيه في طهران، بدور اقتطعته لنفسها أو قبلت به الولايات المتحدة على خط إطلاع إيران من قطر ومصر على تفاصيل المفاوضات الجارية لوقف النار في غزة.

والحال أن تصريحات خامنئي صدرت بعد يوم واحد من زيارة قام بها رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني لإيران ولقائه المسؤولين فيها، علما أن قطر كما سلطنة عمان هما من الخطوط الأساسية للتواصل غير المباشر بين الولايات المتحدة وإيران. هذه المؤشرات التي توفرها طهران وتموضعها على نحو سابق للانتخابات الرئاسية الأميركية ونتائجها، تترك المجال واسعا لسيناريوات تتعلق بالوضع في لبنان وما إذا كان ممكنا إخراجه من مأزق فراغه قبل موعد الانتخابات الأميركية كما جرى عام 2016، حين أفرج عن الانتخابات الرئاسية في لبنان بعد تعطيل لعامين ونصف عام في 31 تشرين الأول 2016، قبل خمسة أيام فقط من انتخاب الجمهوري دونالد ترامب للرئاسة الأميركية. وترامب مرشح مجددا، في مواجهة نائبة الرئيس الأميركي كمالا هاريس في الانتخابات التي ستبدأ قريبا وتنتهي في 5 تشرين الثاني المقبل.

وفيما يتوقع من ترامب في حال فوزه العودة إلى مقاربته المتشددة إياها إزاء إيران، فإن ديبلوماسيين زاروا واشنطن أخيرا ينقلون عن مسؤولين في إدارة الرئيس جو بايدن أن لا اوهام لديهم حيال التغيير الذي تحاول أن توحي به إيران عبر انتخاب "إصلاحي" مفترض لرئاسة الجمهورية، في ظل إدراك عميق أن الكلمة النهائية والحاسمة للمرشد الإيراني، علما أن التغيير الإيراني إنما حصل تحت وطأة اعتبارين أساسيين: أحدهما يتعلق باستيعاب حركة الاعتراض الداخلي القوية لدى الشباب ولا سيما بعد مقتل الشابة مهسا أميني، والآخر بتحضير القاعدة لانتقال هادىء لخلافة المرشد الإيراني. وهناك حوار بين الولايات المتحدة وإيران على رغم الخلافات بينهما.

في أي حال، من غير المتوقع حتى بالنسبة إلى رئاسة ديموقراطية محتملة في الولايات المتحدة في السنوات الأربع المقبلة، تسجيل انفراج حقيقي في العلاقات مع إيران، على رغم سياسة الاحتواء التي تتبعها الإدارة الديموقراطية معها، على عكس تشدد ترامب في حال عودته.

التنبه للمواقف الإيرانية يرتبط راهنا برصد مدى تأثيرها في فلك استرهان الثنائي الشيعي الوضع اللبناني والانتخابات الرئاسية، وتاليا رصد ما إذا كانت المؤشرات التي تقدمها طهران ستصيب شظاياها لبنان في شكل ما. إذ لا يزال كثر يعتقدون أن هذا هو بيت القصيد في التعقيدات التي حالت حتى الآن دون إجراء الانتخابات أو الاتفاق على رئيس للجمهورية وأي تسوية قد تدفع بالثنائي إلى التخلي عن تعطيله الانتخابات. ومع أن غالبية الأوساط السياسية في لبنان تربط مسألة إنهاء المأزق أولا بإنهاء الحرب في غزة، وثانيا بالانتخابات الأميركية وتسلم الإدارة الجديدة مطلع السنة المقبلة، فإن للأمر صلة في الواقع بطبيعة الخطوات التي يمكن أن تتخذها طهران تبعا لذلك. وسبق لاتصالات بها من دول غربية، وتحديدا من فرنسا، أن فشلت على هذا المستوى. وعلق البعض آمالا على الحوار بين الموفد الأميركي آموس هوكشتاين ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ليس في ما يتعلق بالتهدئة في الجنوب والاتفاق على ترسيم الحدود البرية فحسب، بل أيضا في ملف الرئاسة والمقابل الأميركي، إلى الحد الذي أزعج الفرنسيين قبل أشهر، وقد اعتبروا أنهم ربما أخرجوا من المشهد تبعا لذلك من الأميركيين.

أيا يكن الأمر، يظل المشهد رهنا بالحسابات الإيرانية ربطا بالمرحلة الراهنة والمرحلة المستقبلية القريبة في مساوماتها مع الولايات المتحدة أو تجنب إثمان قد تدفعها في ضوء ما يجري في المنطقة.