القضاء بلغ نزاع البقاء فهل يستلحق مجلسه إكمال هيئة "العدلي" قبل 1 تشرين الأول؟

حتى إشعار آخر تُعدّ جلسات المجلس العدلي مُعطلة بفعل شغور مركز في عضوية المستشارين الأربعة في هيئته، الذي كان يشغله القاضي جمال الحجار الى جانب المستشارين الحاليين القضاة عفيف الحكيم، جان مارك عويس ومايا ماجد، وذلك بعد تكليفه نائباً عاماً تمييزياً، وفي غياب العضوين الرديفين لحلول أحدهما مكانه لخلو هذين المركزين أيضاً تباعاً مع غياب التشكيلات العامة منذ عام ٢٠١٧ بعدم توقيعها من رئيس الجمهورية السابق ميشال عون، أو التشكيلات الجزئية التي لم تُقر بدورها للأسباب المعروفة حول التمسّك بإحداث الغرفة رقم ١١ في محكمة التمييز من وزير المال يوسف خليل.

ولو أقرت واحدة من التشكيلات بعيداً من الخلاف السياسي على جنس الملائكة لَما كان حصل هذه المأزق الذي يتخبط فيه القضاء اليوم سواء في المجلس العدلي أو في الهيئة العامة لمحكمة التمييز.

حتى الساعة لم تُفلح محاولات مجلس القضاء الأعلى برئاسة القاضي سهيل عبود والأعضاء حبيب مزهر وداني شبلي وميراي حداد والياس ريشا، في التوصل إلى إقرار اقتراح وزير العدل هنري خوري لسد النقص في هيئة المجلس العدلي التي يترأسها القاضي عبود رغم عقد حوالى أربعة اجتماعات للمجلس في شأنها بسبب تباين وجهات النظر في الأسماء المطروحة لتولي هذا المركز بمن فيهم ثلاثة قضاة ردفاء لتأمين استمرارية عمل المجلس من جهة، ولكون القضاة الذين يتم اختيارهم من رؤساء غرف محكمة التمييز العشرة من جهة أخرى.

وهذه الغرف تشكو بدورها من الفراغ في رئاسة هيئات تسع منها مشغولة بالانتداب. وحدها الغرفة العاشرة مشغولة بالأصالة وطُرحت رئيستها القاضية سهير الحركة لشغل مركز العضوية في المجلس العدلي. وهي من القضاة الأكفاء في المجال الجزائي وتتولى رئاسة غرفة في هذا المجال. واتجه الخيار في المراكز الثلاثة الأخرى، بينهم رديفان، إلى المستشارين في غرف محكمة التمييز.

والخياران باءا بالفشل بسبب علّة التوازن بالنسبة الى اختيار خلف للقاضي الحجار، وامتداد هذا الخلاف الى الوجه السياسي بالنسبة الى الخيار الثاني، فضلاً عن عدم تطابق الرأي بين المجلس ووزير العدل. وثمة من يرى أنه لو تُرك الخيار للمجلس لكان الأمر قُضي.

لعامل الوقت دور مصيري على صعيد استكمال هيئة المجلس العدلي الذي كان ينظر في ملفين. ملف انفجار خزان الوقود في بلدة التليل العكارية في ١٥ آب عام ٢٠٢١ وأدى الى سقوط ٣٦ ضحية وجرح ٨٠ آخرين من مدنيين وعسكريين وسوريين، وملف التفجير في حارة حريك عام ٢٠١٤. والكلام عن عامل الوقت في محله لكون ولاية الأعضاء الأربعة في مجلس القضاء الأعلى تنتهي في تشرين الأول المقبل، ما يعني أن أزمة الشغور ستمتد إلى أعلى سلطة قضائية إدارية وغياب مجلس القضاء، ويستتبع ذلك استمرار توقف عمل المجلس العدلي منذ شباط الماضي، والمُرشح لإحالة ملف انفجار مرفأ بيروت عليه في حال صدور القرار الاتهامي في هذه القضية، ليبدو الأمر كأن مؤسسة القضاء تصارع نزاع البقاء مع تنقُل أزمة الشغور في مندرجاتها العليا من مجلس القضاء الذي يشكل رأس الهرم، الى المجلس العدلي، فالهيئة العامة لمحكمة التمييز التي تُعدّ المرجع الأخير في بت القرارات ذات الطابع المُبرم، الى الطلبات التي تُثار أمامها.

حتى إن الخلاف على التوازن حال دون انتداب قاضيَين لمعاونة القاضي الحجار في الملفات التي يحقق فيها بنفسه، ما يعكس الصورة غير الصحية لمستقبل هذه المؤسسة الآخذة بالتهاوي رغم عملية الترقيع التي أجريت من أهل البيت وتحاول إجراءها.

ويمكن استشراف نتائج هذه المحاولات من متفائلين بعد نهاية العطلة في ١٥ أيلول المقبل، فيما يجري ربط الحلول لأزمة القضاء، من متشائمين واقعيين، الى ما بعد انتخاب رئيس للجمهورية، وفي عدادها شلل المجلس العدلي الذي توقف عن النظر منذ ٣٠ تشرين الثاني الماضي في ملف انفجار سيارة مفخخة في حارة حريك في الضاحية الجنوبية عام ٢٠١٤، وذلك قبل ساعات قليلة من انعقاد الجلسة، بعد إبلاغ القضاء بضرورة إرجاء هذه الجلسة بسبب معلومات أمنية عن سعي مجموعات إرهابية الى تهريب المتهم بعملية التفجير الموقوف الفلسطيني نعيم عباس خلال نقله من مقر التوقيف الى قصر العدل، فيما قطعت المحاكمة في ملف التليل شوطاً بعيداً، ووصلت الى مرحلة الاستماع الى إفادات الشهود التي تسبق مرحلة المرافعات وختم المحاكمة من ثم تمهيداً لإفهام الحكم. وبحسب مصادر وكلاء الادعاء الشخصي والدفاع فإن ثلاث جلسات أخرى كانت كافية لختم المحاكمة في هذه القضية.

هذه الجريمة أحيلت على المجلس العدلي في أيلول ٢٠٢١ ليُعيّن رئيس محكمة الجنايات في البقاع القاضي علي عراجي محققاً عدلياً وأصدر قراره الاتهامي فيها في ٢٥ تموز ٢٠٢٢ وتناول فيه أزمة المحروقات في لبنان التي كانت سائدة حين حصول هذه الكارثة، وأدت الى انقطاع المحروقات بسبب نشاط تهريبها الى سوريا واحتكارها في السوق السوداء في الداخل ما فاقم معاناة العكاريين ودفعهم الى التجمهر في مكان الخزان في شكل فوضوي للحصول على الوقود.

وفي الأثناء حصلت مشادة ثم ما لبثت النيران أن اندلعت في المكان إثرها من قداحة ذُكر أن مَن استعملها استحصل عليها من المدعى عليه ريتشارد. وأدى الحادث الى سقوط ضحايا مدنيين وعسكريين وسوريين. وأحيل ثمانية أشخاص على المحاكمة أمام المجلس العدلي بموجب القرار الاتهامي معتبراً أن جورج رشيد إبراهيم وعلي صبحي الفرج خزّنا البنزين والمازوت في مكان الحادث بعد نقلها من المدعى عليهما هويدي نواف الأسعد والملاحق غيابياً باسل نواف الأسعد، واحتكار المادة وتهريب البنزين والمازوت الى سوريا وتبييض أموال ناتجة من الأفعال الجرمية.

وليلة الحادث شهدت التليل حالة من الفوضى وحضر المئات لتعبئة البنزين وتجمهروا حول الصهاريج الثلاثة الموجودة في البورة وفتحوا سكر أحدها، وحاول الناس الاستحصال على المادة. واتهم القرار المدعى عليهم ريتشارد وجورج إبرهيم وجرجي الياس إبراهيم بجناية المادتين ٣١٤ في قانون العقوبات معطوفة على المادة السادسة من قانون الإرهاب، والمادة ٥٤٩ معطوفة على المادة ٢١٢ في قانون العقوبات بالنسبة الى ريتشارد إبراهيم، ومنع المحاكمة عنه وعن هويدي الأسعد لجهة التسبّب بالوفاة، واتهم بهذه المادة جورج إبراهيم وعلي صبحي الفرج. وظن بمدعى عليهم لجهة التهرب الضريبي وتبييض أموال.

وشهد هذا الملف إسقاطاً لدعاوى الحق الشخصي من بعض المدعين. كما وافق المجلس العدلي على تخلية الموقوفين جورج إبراهيم وعلي الفرج بكفالة مالية مقدارها ٦٥٠ ألف دولار عن كل منهما، لم يتمكنا من تسديدها نقداً. وتقدم وكيل إبراهيم المحامي صخر الهاشم بطلب استبدال الكفالة المالية بكفالة عقارية لكن انفراط عقد المجلس حال دون بت الطلب الذي لا يزال عالقاً، وتالياً يستمر المدعى عليهما موقوفين.

ومن جهته يتابع النقيب السابق للمحامين في الشمال محمد مراد بوكالته عن عدد من الضحايا في جهة الادعاء الشخصي المحاولات الجارية أمام مجلس القضاء لاستكمال هيئة المجلس العدلي. وأبدى في اتصال لـ"النهار" أن ملف التليل وصل الى القسم الأخير من المحاكمة وأتصوّر أنه يجب اجتراح الحلول لأنه لا يمكن للمجلس العدلى أن يبقى متوقفاً إلى حين إجراء التشكيلات القضائية التي ترتبط برئاسة الجمهورية.

أضاف أنه يتجه في مقتبل أيلول المقبل، وقبل بدء السنة القضائية، الى عقد لقاءات في اتجاه وزير العدل ومجلس القضاء والنائب العام التمييزي ولا سيما أن هذا الملف تحديداً له وجه إنساني كبير ووصل الى طريق النهاية، ولا يجب أن يبقى وغيره من الملفات أمام المجلس العدلي في حالة جمود. وخلال هذه اللقاءات سأطالب بإعادة سير المحاكمات أمام المجلس العدلي ومنها ملف التليل.

واكتفى وكيل المدعى عليهما المحامي إبراهيم الهاشم بالقول إن العدالة معطلة في شكل هائل ولا أحد يحاول تأليف المجالس التي تمنح هي العدالة.