الرئاسة والميدان... بلا أفق؟

لن ننكد على الحكومة والديبلوماسية اللبنانية والمكونات "الممانعة" أيضاً "فحطتهم" لاعتبارهم التمديد للقوة الدولية العاملة في الجنوب "اليونيفيل" من دون أي تعديل في انتدابها ومهماتها إنجازاً فوق العادة خصوصاً لجهة "إحباط" محاولات المتحدة الأميركية إدخال تعديلات في هذه المهمات تجعلها تتكيف مع احتمالات تحريك المفاوضات حول النزاع الحدودي بين لبنان وإسرائيل. ولكن يكفي للواقعية السياسية وربما لإعطاء قرار التمديد أهمية إضافية التنويه أانه لو شاءت واشنطن قلب الطاولة في هذا السياق لما مر قرار التمديد سالماً، بما يعني أن أميركا معنية أيضاً ببقاء المظلة الدولية مفلوشة فوق أرض المواجهات الدائرة منذ 11 شهراً في الجنوب الى أن تأتي لحظة التحريك الجدي للمفاوضات والتسوية الحدودية البرية.

لكن المسألة المثارة هنا لا تتصل فقط بالوضع الحدودي الجنوبي المتفجر في لبنان ومقاربة المجتمع الدولي لمستقبل لبنان بعده أو لما صار متعارفاً عليه ويكثر ترداده في الأدبيات الديبلوماسية والإعلامية العالمية منذ اندلاع حرب غزة "اليوم التالي"، بل نثيره من زاوية رمزية شديدة التعبير والوطأة لبنانياً وهي التساؤل عن مدى قدرة وحجم وتأثير العامل الدولي في تبديل مسار التطورات بعدما تعاظم العامل الإقليمي في انزلاق لبنان والزجّ به في أتون الحرب وضرب وتهميش العامل الداخلي اللبناني أسوة بالعامل الدولي تماماً؟

الحرب الجارية على جبهة الجنوب اللبناني وشمال إسرائيل في الإطار الاستراتيجي العريض تشكل النموذج الأفدح لغياب العامل اللبناني الداخلي ولو كان الفريق المحارب من الوجهة اللبنانية هو "حزب الله"، إذ إن الصراع المتمادي على جغرافية تتمدد من غزة الى الجنوب اللبناني بشكل ميداني عنيف ومباشر وبعدهما الى العراق واليمن وإيران، رسم معالم أساسية للحرب يستحيل التنكّر لها كصراع أساسي بين إسرائيل وإيران. ولكن المفارقة المفجعة لبنانياً، أن الاحتماء أو الركون الى المظلة الدولية وحدها لم يكف ولن يكفي ما دامت القدرة الداخلية التي تقيم توازناً لتعويم سلطة الدولة معطلة وقاصرة.

فكما في الجنوب كذلك في ساحة النجمة، في مفارقة رمزية تتزاوج معها أزمتا رئاسة الجمهورية الشاغرة والتفرد بالحرب والسلطة. في الرئاسة جرى "الانقضاض" (وفق المفردة الميدانية السائدة) منذ سنة وعشرة أشهر على العامل اللبناني الصرف في الملف وجرى تعطيله قسراً ثم أطيح تماماً بكل المبادرات والوساطات الخارجية مما أقام سداً منيعاً أمام العامل الدولي الذي تمثل بمجموعة الدول الخمس ولو لاحت معالم إعادة تحريكها راهناً. وفي إعلان الحرب على إسرائيل من طرف لبناني واحد داخلي قبل 11 شهراً بدا "حزب الله" منغمساً بالكامل وبلا أيّ قفازات في قرار إيراني استراتيجي بتوسيع حرب "حماس" على غلاف غزة بما سُمّي وحدة الساحات وحرب المشاغلة.

الآن، تشاء المصادفة أو تطورات الأمور واهتراؤها زمنياً، أن يصدر قرار التمديد لليونيفيل في جنوبي الليطاني، عقب مرور قطوع الحرب الواسعة يوم الأحد 25 آب الفائت مروراً استثنائياً مفاجئاً، وبعدهما تتحرك معالم الاستفاقة على أزمة الشغور الرئاسي في لبنان من باب إعادة بعض القوى الداخلية الأساسية ترسيم مواقفها من مشاريع الخروج من هذه الأزمة وما يتراءى من معالم استعدادات لبعض سفراء المجموعة الخماسية لإعادة تحريك دور المجموعة لعلّ وعسى يمكن الرهان على نهاية مرئيّة لأزمة الشغور الرئاسي. ولكن كل ذلك لا يستدعي الإفراط وتضخيم "الاستفاقة"، فما الذي تبدّل لنراهن على "تفوّق" العاملين الدولي والداخلي على الاسترهان الإقليمي للبنان؟