الخطر الزلزالي في لبنان: المطلوب وعي لا هلع

أشهر قليلة مضت على الزلزال المدمّر الذي ضرب كل من تركيا وسوريا في 6 شباط الفائت، وحصد أكثر من 40 ألف ضحية، ونتج منه إصابة مئات عشرات الجرحى وتشريد آلاف العائلات. الرهبة التي ولّدتها هذه الواقعة، جعلت كلمات «الزلزال»و «تسونامي» و»مقياس ريختر» و»هزة أرضية» و»الهزات الارتدادية» و»الفوالق الزلزالية»، هي الأكثر بحثاً على محركات الاستقصاء حول العالم. وسيناريو الزلزال الطاحن بات وسواساً لمعظم الأشخاص، حتى ان هناك فئة لا تقوى على النوم حتى هذا اليوم، خوفا من ان يتكرر زلزال تركيا الذي شعر به كل من سكان لبنان، فلسطين، قبرص، مصر، جورجيا، أرمينيا والعراق.

يذكر ان الزلزال الذي بلغ 7.8 درجات على مقياس ريختر، واحد من اهلك الزلازل التي شهدتها الأراضي التركية منذ العام 1939.

«تسونامي»، «زلزال سيدمر الأرض»، هزات في هذه المنطقة وأخرى ارتدادية في تلك، كلها اخبار كاذبة تهدف الى استقطاب متابعين ما لبثت ان اختفت، كونها تنتمي الى فريق نظريات الخيال والتخمين والتهويل، الى جانب معطيات مغلوطة بعيدة كل البعد عن المنطق، لتتصدى لها أخرى مسنودة الى أبحاث ودراسات وخرائط علمية دقيقة.

القلق لدى المواطنين لم ينته، خاصة لدى اللبنانيين الذين تصدّعت منازلهم بزلزال 6 شباط ، وهناك من بقي ينام في سيارته لأسابيع متتالية، خوفا من حدوث الأسوأ. فبعض الابنية في كل من طرابلس وبيروت ومختلف المناطق تعاني من تصدع في اساساتها، وهزة قوية قد تؤدي الى انهيار المنزل على رؤوس قاطنيه.

 

دراستان ونتائج

لدحض هذه المخاوف، شارك الباحث في الجيولوجيا وعلم الزلازل في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور طوني نمر في مؤتمر EGU23، حاملا معه حصيلة دراستين تتعلقان بالخطر الزلزالي في لبنان وشرقي البحر المتوسط، حيث تطرق المؤتمر الى كل ما له اتصال بعلوم الأرض حول العالم، بالإشارة الى انه يقام مرة واحدة في السنة.

 

الدراسة الأولى

شرح نمر لـ «الديار» عن الدراسة الأولى وقال: «هي كناية عن محاكاة للزلازل على غرار ما حدث في لبنان عبر التاريخ، وهي موثقة ومؤكدة، لمعرفة ما يحدث من ناحية حركة الأرض والتي يهتم بها المهندسون ، للاطلاع على كيفية انشاء البناء ومدى قوته. وحاصل هذه المحاكاة، هو ان نسبة حركة الأرض في حال وقوع زلزال مثل الزلازل التاريخية الضروس، فستتضرر معظم المناطق اللبنانية والجوار به، كما تُبيّن الخرائط والأرقام».

وفصّل نمر خلاصة الدراسة الثانية بالقول: «تناولت الهزات الارتدادية من منطقة الزلازل في تركيا باتجاه شرق البحر المتوسط، في المكان الذي يقبع على تركيبات زلزالية في قعر البحر، أي جزء من «القرم القبرصي»، وكما يظهر هذا الامتداد من خلال التركيبات الجيولوجية القائمة في البحر». واشار الى ان « الغاية من الدراسة هو معرفة إمكان تقدير وفهم إذا كان من الممكن ان تتأثر هذه التركيبات بما حدث في تركيا». وبحسب نمر «انها تأثرت مع القسم الشمالي من فالق البحر الميت في سوريا، وانما بشكل طفيف وهذا امر إيجابي يخفف من هذا الضرر حتى لا تتحرك».

 

المحصّلة

ولفت الى ان الدراسة الأولى توصلت «الى انه في حال وقوع زلزال في لبنان، كالذي حدث عبر الزمن، فان التأثير في الأرض سيكون قويا لجهة حركة الأرض، ولهذا اعددنا خرائط، التي عادة يستخدمها المهندسون للبناء عليها بغية معرفة المناطق الأكثر خطورة من غيرها». واشار الى ان الخلاصة الثانية، «أظهرت أن تأثير زلزال تركيا، وامتداد الهزات الارتدادية العائدة لها على فالق البحر الميت، وعلى التركيبات الموجودة في البحر محدود وتحت السيطرة، ونأمل ان يستمر الوضع كذلك».

 

تأهّب

واعتبر نمر «انه ينبغي على الدولة الاستعداد لخطر كهذا، والاعتراف ان هذا الواقع موجود»، وطالب «بتفعيل هيئة إدارة الكوارث»، واستهجن دورها منذ ما بعد 6 شباط، متسائلا عما فعلته او قدمته وما دورها اليوم؟ وما هي الإجراءات او القرارات التي اتخذتها ونفذتها؟ او ماذا تنوي هذه الهيئة فعله على الأرض، وبالحد الأدنى عليها مواجهة الناس ، فهل فعلت»؟

وأضاف «اعتقد ان ما حدث في تركيا يجب الاستفادة والتعلم منه في لبنان، لجهة كيف تصرف الاتراك مع هذه المصيبة من ناحية ادارتهم الازمة». وأضاف «غرّدت عبر حسابي على تويتر عن هذه النقطة بالتحديد، حيث عرض تلفزيون «ت ار تي» التركي العربي، حلقة كانت الاولى بعد الزلزال اظهروا فيها آلية تعاطي الأجهزة التركية مع الكارثة، وقلتُ وقتذاك حبّذا لو أن الدولة والأجهزة الأمنية تطلع على هذا التقرير للاستفادة منه».

 

العلم كذّب نظريات التخمين

اضاف نمر «شدّدت منذ اليوم الأول، انه لا يمكننا التنبؤ بموعد وقوع زلزال او قوته ومكانه، اما كل ما قيل وما زال يقال فهو في إطار التنجيم، والوقت اظهر ان كل كلام الترجيح كان فارغا ولا يستند الى علم او بحث او دراسة، وهو سياق من التهويل والتخويف والاستفادة الشخصية».

وقال «عمليا العلم اثبت جدواه في ما يتعلق بالزلازل، كما هو الحال في قضايا أخرى، ولا مكان للتقدير في هذا المجال. وجلّ ما نستطيع القيام به هو اجراء محاكاة وتقديم نماذج علمية تخبرنا ما الذي يمكن ان يحصل في حال وقع زلزال على النحو الذي انا قمت به، بحيث نشرت الدراسة وتحدثت عنها في فيينا».

 

تسونامي ام زلزال؟

تسونامي ام زلزال؟ عن هذا اللغط أوضح نمر «انه من الاستحالة معرفة وقت حدوث التسونامي لأنه سيتبع الزلزال، ونحن لا نستطيع التنبؤ بحدوث أي زلزال»، ولفت الى «انه في الماضي وقع تسونامي في لبنان، والأسباب لا تزال قائمة خاصة في حال حدث زلزال داخل البحر او حصل على البر وكانت الدرجة قوية، فهذا سيؤدي الى وقوع تسونامي، لان للبنان فوالق بحرية تحركت تاريخيا»، مشددا على «ان التأثير محدود والسبب ان في البحر 4 تركيبات جيولوجية يمكن ان تسبب زلازل، والتركيبة الأكثر بروزاً موجودة بيننا وبين قبرص. ومن خلال الدراسة تبيّن انه لا فوالق خطرة بالقرب من الشاطئ اللبناني، وانما تحت سلسلة اللاذقية تركيبات جيولوجية ناشطة يمكن ان تُحدث زلازل».

 

إرشادات

ونصح نمر الناس «بعدم الخوف عند الحديث عن واقعنا، لا بل من الواجب الإفصاح ومشاركة المعلومات بطرق علمية وهادئة ، بدلا من ان نضع رأسنا في الرمل كما تفعل النعامة بهدف التنصّل من حقيقة الامر، وما أقوم به لا يهدف الى ترويع المواطنين، بل يصبّ في مجال التوعية والتكيف».

ودعا «الى ضرورة العمل على تثقيف أولادنا، وأنفسنا الى جانب اجراء كشف على الأبنية والاستعانة بمهندسين متخصصين، والاحتياط في حال حصول هزة شديدة ، وتحديدا في المناطق المنخفضة وتلك الأعلى في حال تحرك البحر». واكد ان «رفع الوعي هو اول خطوة على طريق الجهوزية والعدّة لمعرفة كيفية التصرف». وتوجّه الى السلطات ودعاها «للعمل على تنفيذ ما هو واجب عليها، لجهة الشروع بإجراءات سلامة البناء المطلوب القيام بها، لتجنب الاضرار التي قد تنتج من زلازل في المستقبل».