الحكومة «سقطت» في فخ الكهرباء


تشترط الدول المانحة إنهاء الهدر في ملف الكهرباء قبل أي مساعدات نظراً للعجز المُستفحل التي تسبّبه لخزينة الدولة (35% من حجم العجز)، وقد جاء آخرها على لسان منسق الأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش الذي شدّد على انّ «شروط المجتمع الدولي لمساعدة لبنان هي الإصلاح والإصلاح والإصلاح، ومن المعيب أن يبقى وضع الكهرباء على ما هو عليه».

 

بعد الجدال الذي رافقَ صياغة البيان الوزاري حول إدراج خطة الكهرباء كما هي وفق ما اتفق عليها في مجلس الوزراء عام 2019، وهو توجّه يدعمه التيار الوطني الحر، او إدخال بعض التعديلات على الخطة، وهو توجّه تدعمه بقية الاطراف السياسية، حسم الامر أمس بعدما اعلنت وزيرة الاعلام منال عبد الصمد إثر انتهاء اجتماع مجلس الوزراء انّ خطة مجلس الوزراء للعام 2019 هي التي ستنفّذ مع بعض التعديلات اذا اقتضى الامر. عازية ذلك الى أنه يعود الى الوزراة المختصّة، أي وزارة الطاقة، درس كل البدائل وتأمين الكهرباء كما هو موعود. لكن عودة الاعتراضات على بعض بنود هذه الخطة يطرح بعض التساؤلات عن معوقات البدء في تنفيذها.

 

في هذا السياق، يشرح رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق باتريك مارديني، الذي يتابع هذا الملف، انه وفقاً لأرقام وزارة الطاقة فإنّ 34 في المئة من الكهرباء المنتجة يُهدر بين هَدر تقني وتعليق على الشبكة... والـ 66 في المئة من الطاقة المنتجة التي تصل الى الناس تُباع بخسارة، واذا تم جمع كلفة الهدر التقني والخسارة عند البيع يتبين ان كل كيلواط /ساعة يتم إنتاجه يُباع بنسبة 42 في المئة من سعره أي بـ62 في المئة أقل من سعره. وبالتالي، كلما أنتجت الدولة اللبنانية كهرباء زيادة كلما زادت خسائرها.

 

أضاف مارديني: تسعى وزارة الطاقة، وفق ما ورد في مسودة البيان الوزاري، الى خفض الخسائر، في حين تذكر في بند آخر انها لن ترفع التسعيرة قبل زيادة الانتاج، لكن وفق الارقام المذكورة اعلاه فإنه لا يمكن خفض الخسائر الّا من خلال خفض الانتاج (لأنه كلما أنتجت اكثر تخسر أكثر، وكلما أنتجت أقل تكون الخسارة اقل). وبالتالي، نحن قادمون على مرحلة يكون فيها التقنين لساعات اكثر. ووفق التجارب السابقة، كلما خفضت الميزانية المخصّصة لمؤسسة كهرباء لبنان تزداد ساعات التقنين على المواطنين، الذين يعبّرون عن امتعاضهم من ذلك بتحرّكات في الشارع وحرق دواليب، تعود بعدها وزارة المالية تحت ضغط الشارع عن قرار خفض الميزانية، وتحوّل المزيد من الاموال لمؤسسة كهرباء لبنان. هذا السيناريو تعتمده وزارة الطاقة منذ سنوات، لتضغط فيه على المالية لترفع من الاعتمادات المخصصة للكهرباء.

 

مآخذ على الخطة

أمّا عن المآخذ التي استجَدّت على خطة الكهرباء قبل ان تسير كما أقرّت في السابق في البيان الوزاري، فقال: انّ القانون 462 الصادر عام 2002 أجاز للدولة اللبنانية إعطاء رخص وتراخيص وأذونات للشركات الخاصة لإنتاج الكهرباء، اي يمكن لأي شركة خاصة ان تطلب من هيئة تنظيم قطاع الكهرباء رخصة لإنتاج كهرباء. لكن ومنذ وضعها لخطة الكهرباء في العام 2010، ترفض وزارة الطاقة تطبيق هذا القانون وتصرّ على انّ الدولة اللبنانية قادرة على إنشاء معامل لإنتاج الكهرباء بتمويل ذاتي، في حين انّ الدولة لا تملك المال لذلك، بل وتقول الخطة انه الى حين انتهاء الدولة من إنشاء المعامل تستقدم بواخر لتوفير الطاقة، أي انّ الخطة تحمّل الدولة تكاليف إنشاء المعامل واستقدام البواخر، في حين ان لا قدرة للدولة على ذلك. لذا، سبّبت الكهرباء خسائر طائلة للدولة، ورفعت من كلفة الدين العام. وأكبر دليل على ذلك ما وصلنا إليه اليوم من انهيار، علماً انه كان يفترض ان يتم إنشاء المعامل خلال عامين. وبعد مرور كل هذه السنوات، اقتنع القيّمون على موضوع الكهرباء في خطة العام 2019 بالسماح للقطاع الخاص بتشييد معامل للكهرباء، أي بعد 9 سنوات من الفشل عُدنا الى القانون الموضوع عام 2002. وأقرّ ذلك في مجلس الوزراء، وصدّق عليه في مجلس النواب في ايار 2019. وتسمح خطة الكهرباء 2019 للشركات الخاصة بإنشاء معامل للكهرباء وفق نظام BOT، على ان يعود هذا المعمل الى الدولة بعد 20 او 30 عاماً. هذه الخطة إيجابية إنما المآخذ والاعتراضات عليها من بعض الاطراف السياسية تتعلق بربط إنشاء المعمل بحل مؤقت، بما معناه انّ الخطة تطلب ممّن يريد إنشاء معمل ان يستقدم باخرة او مولدات كبيرة معه. وفي السياق، افادت شركة فيتشنر، وفقاً لدراسة طلبتها منها وزارة الطاقة، انّ الحل الموقت، ومُدّته 5 سنوات، سيكلّف الشركات ضعف كلفة الحل الدائم. وبالتالي، لا تقبل اي شركة في العالم ان تؤمّن حلّين، واحد يكون دائماً وآخر يكون مؤقتاً نظراً للخسائر الناجة عن ذلك، كما لا يقبل اي مصرف في العالم ان يُقرض الاموال لشركة لتقوم بتنفيذ حلّين، واحد يكون دائماً وآخر يكون مؤقتاً لأنّ المخاطر ستكون مضاعفة.

 

وأسف مارديني لأنّ الحكومة الحالية أعادت تعويم خطة الكهرباء نفسها في بيانها الوزاري من دون اي تعديل، وشدّد على ضرورة ان تقوم الدولة بإسقاط الحل المؤقت، من جهة لأنها غير قادرة على تأمين الاموال لاستقدام المزيد من البواخر، ومن جهة أخرى لأنّ الشركات الخاصة غير قادرة على الالتزام بهذا الشرط. وأكد انه في إمكان الدولة تأمين الكهرباء 24/24 في غضون سنتين اذا أسقطت شرط الحل المؤقت.

 

تشترط الدول المانحة إنهاء الهدر في ملف الكهرباء قبل أي مساعدات نظراً للعجز المُستفحل التي تسبّبه لخزينة الدولة (35% من حجم العجز)، وقد جاء آخرها على لسان منسق الأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش الذي شدّد على انّ «شروط المجتمع الدولي لمساعدة لبنان هي الإصلاح والإصلاح والإصلاح، ومن المعيب أن يبقى وضع الكهرباء على ما هو عليه».

 

بعد الجدال الذي رافقَ صياغة البيان الوزاري حول إدراج خطة الكهرباء كما هي وفق ما اتفق عليها في مجلس الوزراء عام 2019، وهو توجّه يدعمه التيار الوطني الحر، او إدخال بعض التعديلات على الخطة، وهو توجّه تدعمه بقية الاطراف السياسية، حسم الامر أمس بعدما اعلنت وزيرة الاعلام منال عبد الصمد إثر انتهاء اجتماع مجلس الوزراء انّ خطة مجلس الوزراء للعام 2019 هي التي ستنفّذ مع بعض التعديلات اذا اقتضى الامر. عازية ذلك الى أنه يعود الى الوزراة المختصّة، أي وزارة الطاقة، درس كل البدائل وتأمين الكهرباء كما هو موعود. لكن عودة الاعتراضات على بعض بنود هذه الخطة يطرح بعض التساؤلات عن معوقات البدء في تنفيذها.

 

في هذا السياق، يشرح رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق باتريك مارديني، الذي يتابع هذا الملف، انه وفقاً لأرقام وزارة الطاقة فإنّ 34 في المئة من الكهرباء المنتجة يُهدر بين هَدر تقني وتعليق على الشبكة... والـ 66 في المئة من الطاقة المنتجة التي تصل الى الناس تُباع بخسارة، واذا تم جمع كلفة الهدر التقني والخسارة عند البيع يتبين ان كل كيلواط /ساعة يتم إنتاجه يُباع بنسبة 42 في المئة من سعره أي بـ62 في المئة أقل من سعره. وبالتالي، كلما أنتجت الدولة اللبنانية كهرباء زيادة كلما زادت خسائرها.

 

أضاف مارديني: تسعى وزارة الطاقة، وفق ما ورد في مسودة البيان الوزاري، الى خفض الخسائر، في حين تذكر في بند آخر انها لن ترفع التسعيرة قبل زيادة الانتاج، لكن وفق الارقام المذكورة اعلاه فإنه لا يمكن خفض الخسائر الّا من خلال خفض الانتاج (لأنه كلما أنتجت اكثر تخسر أكثر، وكلما أنتجت أقل تكون الخسارة اقل). وبالتالي، نحن قادمون على مرحلة يكون فيها التقنين لساعات اكثر. ووفق التجارب السابقة، كلما خفضت الميزانية المخصّصة لمؤسسة كهرباء لبنان تزداد ساعات التقنين على المواطنين، الذين يعبّرون عن امتعاضهم من ذلك بتحرّكات في الشارع وحرق دواليب، تعود بعدها وزارة المالية تحت ضغط الشارع عن قرار خفض الميزانية، وتحوّل المزيد من الاموال لمؤسسة كهرباء لبنان. هذا السيناريو تعتمده وزارة الطاقة منذ سنوات، لتضغط فيه على المالية لترفع من الاعتمادات المخصصة للكهرباء.

 

مآخذ على الخطة

أمّا عن المآخذ التي استجَدّت على خطة الكهرباء قبل ان تسير كما أقرّت في السابق في البيان الوزاري، فقال: انّ القانون 462 الصادر عام 2002 أجاز للدولة اللبنانية إعطاء رخص وتراخيص وأذونات للشركات الخاصة لإنتاج الكهرباء، اي يمكن لأي شركة خاصة ان تطلب من هيئة تنظيم قطاع الكهرباء رخصة لإنتاج كهرباء. لكن ومنذ وضعها لخطة الكهرباء في العام 2010، ترفض وزارة الطاقة تطبيق هذا القانون وتصرّ على انّ الدولة اللبنانية قادرة على إنشاء معامل لإنتاج الكهرباء بتمويل ذاتي، في حين انّ الدولة لا تملك المال لذلك، بل وتقول الخطة انه الى حين انتهاء الدولة من إنشاء المعامل تستقدم بواخر لتوفير الطاقة، أي انّ الخطة تحمّل الدولة تكاليف إنشاء المعامل واستقدام البواخر، في حين ان لا قدرة للدولة على ذلك. لذا، سبّبت الكهرباء خسائر طائلة للدولة، ورفعت من كلفة الدين العام. وأكبر دليل على ذلك ما وصلنا إليه اليوم من انهيار، علماً انه كان يفترض ان يتم إنشاء المعامل خلال عامين. وبعد مرور كل هذه السنوات، اقتنع القيّمون على موضوع الكهرباء في خطة العام 2019 بالسماح للقطاع الخاص بتشييد معامل للكهرباء، أي بعد 9 سنوات من الفشل عُدنا الى القانون الموضوع عام 2002. وأقرّ ذلك في مجلس الوزراء، وصدّق عليه في مجلس النواب في ايار 2019. وتسمح خطة الكهرباء 2019 للشركات الخاصة بإنشاء معامل للكهرباء وفق نظام BOT، على ان يعود هذا المعمل الى الدولة بعد 20 او 30 عاماً. هذه الخطة إيجابية إنما المآخذ والاعتراضات عليها من بعض الاطراف السياسية تتعلق بربط إنشاء المعمل بحل مؤقت، بما معناه انّ الخطة تطلب ممّن يريد إنشاء معمل ان يستقدم باخرة او مولدات كبيرة معه. وفي السياق، افادت شركة فيتشنر، وفقاً لدراسة طلبتها منها وزارة الطاقة، انّ الحل الموقت، ومُدّته 5 سنوات، سيكلّف الشركات ضعف كلفة الحل الدائم. وبالتالي، لا تقبل اي شركة في العالم ان تؤمّن حلّين، واحد يكون دائماً وآخر يكون مؤقتاً نظراً للخسائر الناجة عن ذلك، كما لا يقبل اي مصرف في العالم ان يُقرض الاموال لشركة لتقوم بتنفيذ حلّين، واحد يكون دائماً وآخر يكون مؤقتاً لأنّ المخاطر ستكون مضاعفة.

 

وأسف مارديني لأنّ الحكومة الحالية أعادت تعويم خطة الكهرباء نفسها في بيانها الوزاري من دون اي تعديل، وشدّد على ضرورة ان تقوم الدولة بإسقاط الحل المؤقت، من جهة لأنها غير قادرة على تأمين الاموال لاستقدام المزيد من البواخر، ومن جهة أخرى لأنّ الشركات الخاصة غير قادرة على الالتزام بهذا الشرط. وأكد انه في إمكان الدولة تأمين الكهرباء 24/24 في غضون سنتين اذا أسقطت شرط الحل المؤقت.