الأهداف المُعلنة للغزو البري لغزة... مستحيلة التنفيذ

مما لا شك فيه، أن الاجتياحَ الإسرائيلي بدأ في محاولةٍ لاقتحام قطاع غزة من مَحاور عدة. إلا أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ومجلسه الحربي المصغّر المؤلّف من وزير الدفاع يوآف غالانت وزعيم المعارضة بيني غانتس، لا يريدون إعلان بدء العملية لأسباب عدة، أهمّها تفادي ارتدادات فشل التوغل البري وعدم تحقيق أهدافه.

وهذا ما يخشاه نتنياهو الذي يحرص على الخروج من النكبة التي وضعتْه فيها المقاومة الفلسطينية يوم السابع من أكتوبر بأقلّ خسائر ممكنة.

عندما توضع خطط الحرب من قادة الأركان، يهيئ هؤلاء الظروفَ للعملية وأسبابها وأهدافها، ومن ثم يبدأ حَشْدُ القوات وتأمينُ المستلزمات اللوجستية والدعم الناري والذخائر والمبيت للقوات العسكرية والمدة التي من الممكن أن تنقضي قبل إعلان «ساعة الصفر» لبدء العملية، وتُحدَّد اتجاهاتُ الهجوم والضربات الإلهائية واحتمالات تَعَدُّد محاور الاندفاع وإمكانات تعديل الخطط بحسب الموفّقية ومقاومة العدو.

وتالياً تُرسم حدود التقدم ومجنباته وكيفية حماية جوانبه وجميع عناصر الإلهاء المتوافرة بعد القصف التمهيدي العنيف ومحاولات الإنزال والتوغل في محاور بعيدة عن المَحاور الأساسية والاشتباك مع العدو لاختبار جهوزيته.

ومنذ أكثر من أسبوع، شهد الجيش الإسرائيلي مناوراتٍ حربيةً صامتةً بسبب عدم رغبة القيادة السياسية في إعلان بدء الهجوم. وتُعتبر هذه المناورات محاولةً لتأهيل القوات وتحضيرها نفسياً خصوصاً بعد الضربة القاسية التي وُجهت للجيش وتحديداً لغرفة غزة يوم خَرَجَتْ المقاومة واشتبكت معها في مقرها العام وفروعها الـ 11 ضمن مناطق «غلاف غزة» وقتلت وأسرت منهم المئات، بمَن فيهم 4 جنرالات كبار.

وتالياً، فإن إنشاءَ الطيران الإسرائيلي ومدفعيته البعيدة ودباباته، حزاماً من النار داخل المناطق المستهدَفة تمهيداً للدخول، وإحراقَ الأرض بـ «قصف سجادي»، هدفُه بَعْثُ بعض الطمأنينة في نفوس الجيش الذي فَقَدَ ثقته ويخشى ما ينتظره داخل غزة، وأيضاً لتخفيف الخسائر.

ولهذه الأسباب دخلت القواتُ الإسرائيلية مَشارف بيت حانون الموجودة في أقصى الشمال - الشرقي والتي يَهجرها سكانها منذ اليوم الثاني من بدء الحرب لتعرُّضها الدائم للقصف عند كل معركة، كما حَدَثَ في أعوام 2008 و2012 و2021.

وتُعدّ ايريز وبيت حانون، المحور الأول للهجوم، بينما المحور الثاني هو حي الشجاعية الذي يبعد عن بيت حانون نحو 10 كيلومترات شمال مدينة غزة، والذي يُعتبر أيضاً من المناطق الخالية من السكان المدنيين منذ بدء العمليات التمهيدية والقصف على المدينة.

ورغم إجراء الجيش مناورات عسكرية في مناطق خالية، فهو يتردد في الدخول ولا يُعلن عن بدء عمليته.

فبيت حانون يفصلها عن حدود غزة نحو كيلومتر واحد من الأرض المفتوحة الخالية. وحيّ الشجاعية يبعد نحو 6 كيلومترات عن حدود غزة وتفرقه 6 كيلومترات عن المناطق الزراعية المفتوحة.

ومع ذلك، فإن الجيش بدأ يتعرّض للضربات من خلال قصف المضادات الليزرية للدبابات عن بُعد 3 كيلومترات، في إشارةٍ لتشوق المقاومة لاستقبال الغزاة المدجَّجين بالسلاح والخائفين من الأفخاخ والخنادق ومن خط الدفاع الأول وأنفاق المقاومة، رغم استخدام القوات المحتلة الغازية 3 فرق عسكرية للهجوم.

وحتى اليوم، من غير المعلوم لدى الجيش إلى متى سيستمر القصف التمهيدي العنيف؟ وكم ستطول الحرب؟ وهل ستُفتح جبهات أخرى أثناء الاجتياح؟ وكيف سيتعامل مع الأنفاقِ المنفصلة عن بعضها البعض والتي تمثّل مدينةً تحت الأرض تضم قوات المقاومة ومعهم المحتجَزين الإسرائيليين الذين بدأوا يشكّلون عبئاً على قرار المجلس الحربي المصغّر يُحْرِجُ نتنياهو الذي فُرض عليه الخروج لتناوُل هذا الملف الحساس بسبب ضغط أهاليهم؟

وقد وضع هذا المجلس المصغّر أهدافاً لا يُمكن تحقيقها: القضاء على «حماس» وتحرير المعتقلين.

ولم تستطع إسرائيل قط تحريرَ جميع أسراها وآخِرهم جلعاد شاليت، الذي أمضى سنواتٍ في الأسر قبل أن تضطر الحكومة إلى ضمان الإفراج عنه لقاء صفقة تَبادُل. وأكد رئيس الأركان ووزير الدفاع السابق بيني غانتس أن «العملية البرية يمكن أن تساعد في إعادة المخطوفين».

ويُعتبر هذا الهدف مستحيلاً خصوصاً أن عدد هؤلاء يبلغ أكثر من 230 موزَّعين على أماكن متفرقة من غزة.

إضافة إلى ذلك، هناك جثامين 50 منهم لن تتركها إسرائيل وراءها وهم مدفونون في مناطق مختلفة بسبب القصف العشوائي على كامل القطاع منذ الأيام الأولى لإعلان نتنياهو الحرب.

دفعتْ إسرائيل ثمنَ تحريرِ شاليت وقبْلها ثمن تحرير العقيد الحنان تننباوم الذي سَقَطَ في يد «حزب الله»، وبعدها القتلى الذين شنّت حرب يوليو 2006 على لبنان من أجل تحريرهم وفشلتْ في ذلك عسكرياً ونجحتْ من خلال المفاوضات.

وتالياً فإن بدءَ العملية العسكرية مازال محكوماً بأهداف متضاربة سوى تدمير غزة والانتقام مما فعلتْه المقاومة بكسْر هيبة إسرائيل التي تَمْضي في ارتكاب جرائم حرب وتضرب عرض الحائط بجميع القوانين الدولية، لتعود بعدها إلى طاولة المفاوضات وتخفض من توقّعات أهدافها التي أعلنتْها.

تقول إسرائيل إن «الحرب ستكون طويلة ويتوجّب الصبر»، لكن إلى متى يستطيع الاقتصاد المرهَق والجيشُ الاحتياطي البقاء «تحت السلاح» وقصف غزة من دون أهداف واضحة؟ وهل سيكون ممكناً ضمان أن تبقى الحرب على غزة ضمن حدودها فقط؟

كلها أسئلة لا توجد إجابات واضحة عنها ما دامت إسرائيل تتخبّط وتشاهد الرأي العام العالمي ينقلب ضدها وكذلك الرأي العام الداخلي الذي بدأ يتململ من حكومته وإخفاقاتها، خصوصاً أن المقاومة تحرص على قصْفها اليومي لمناطق مختلفة من فلسطين المحتلة، ومن ضمنها تل أبيب وديمونا، مهما طال أمد الحرب.