استجواب مثير ليوسف الخليل: عبارة "لا أعرف" كافية لإدانته

أخيراً، أُجبر يوسف الخليل، وزير المالية راهناً، والذي كان مدير العمليات المالية في المصرف المركزي، واليد اليمنى لرياض سلامة، وأداته التنفيذية في داخل المصرف، والمتهم الأول في عرقلة التحقيق اللبناني في ملف سلامة.. على المثول أمام الوفود الأوروبية.

"الإبتسامة الصفراء"
صباح اليوم الجمعة 5 أيار، دخل الخليل جلسة استجوابه "بثقة عالية"، فتعمّد إظهار شعوره بالراحة داخل قاعة الاستجواب. ورسمت "الإبتسامة الصفراء" على وجهه منذ اللحظة الأولى لدخوله قصرالعدل. ورافقته طوال ساعات استجوابه.

والخليل الذي حاول التهرب من جلسته السابقة، والتي دفعت به إلى زيارة وزير العدل، هنري الخوري، قبل يوم واحد من موعدها ليظهر امتعاضه من طريقة تبليغه التي يعتبرها "غير قانونية"، تعمّد اليوم إظهار "قوته" في المثول أمام الوفود الأوروبية. ووفقاً لبعض المصادر التي واكبته إلى قصر العدل صباح اليوم، جاء على لسانه "أنه جاهز للمثول أمام الوفود الأوروبية وليس لديه ما يُخفيه".

وفي واقع الأمر، فإن الخليل لم يتمكن من التفوق على الوفود الأوروبية، التي اعتبرت إجاباته "غير مقنعة"، خصوصاً بعد أن ردد عدة مرات عبارة "لا أعرف، لقد نسيت". فلم تكن "ابتسامته" كافية لإقناع القضاة الأوروبيين بصحة أقواله. ولم تكن إجاباته "القانونية" التي تسلّح فيها بقانون النقد والتسليف كافية لتبرئته. فوحدها عبارة "لا أعلم" من الممكن أن تكون كفيلة بإدانته.

فالخليل الذي شغل مناصب عدة داخل المصرف المركزي منذ عام 1982 والتي كان آخرها مدير العمليات المالية، مع كل الأهمية لهذا المنصب التي تكمن في الصلاحيات الواسعة التي يتمتع بها، ها هو بعد عقود طويلة قضاها مع حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، يعبّر عن "دهشته" لدى سؤاله عن شركة "فوري"، زاعماً أنه "لم يسمع عنها سابقاً"، وتفاجأ من العمليات المالية الحاصلة داخل المصرف المركزي، ومن "العمولة" على سندات اليوروبوند. إذ اعتبر أن لا علاقة له بكل هذه القضايا المالية!

التنصل من المسؤولية
وملامحه "المندهشة" و"البشوشة" في آن معاً، لم تُقنع الوفود الأوروبية، التي باتت متأكدة من تورطه في هذا الملف. ووفقاً لبعض المصادر، فإن أهمية استجواب الخليل توازي أهمية جلستي الأخوين سلامة، نظراً للمعلومات التي يملكها.

دخل وزير المالية إلى قصر العدل متسلحاً بالنصوص القانونية، ظانّاً أنه بإبراز هذه النصوص على القاضية الفرنسية أود بوروسي سيتمكن من تثبيت "براءته". ووفقاً للخليل، فهذه النصوص هي التي تؤكد أن كل ما حصل داخل دهاليز المصرف المركزي لم يخرج عن دائرة القانون.

ووفقاً لمصدر قضائي رفيع في حديثه لـ"المدن": "طرح القاضي شربل أبو سمرا على الخليل حوالى 100 سؤال، وسيقدم النصوص القانونية لإجاباته للوفود الأوروبية خلال الأيام المقبلة، كما أن القاضية بوروسي تسلمت اليوم المستندات التي كانت قد طلبتها من رجا سلامة ومن المدققة المالية ندى مخلوف".

مواقف الخليل التي تؤكد سعيه الدائم للدفاع عن حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة عن طريق عرقلة ملفه القضائي اللبناني، حاول إقناع الوفود الأوروبية أن "زمالة العمل" هي التي تجمعه برياض سلامة فقط. ومجدداً نفى علاقته بشركة "فوري". فهذه الشركة الوهمية لم يسمع عنها أبداً، ولا يعلم عنها أي معلومة أو أي تفاصيل، فخلال عقوده الطويلة داخل المصرف أكد أن لا علاقة له بهذه الشركة أو بعمولة سندات اليوروبوند، وربما "الأخلاق المهنية" دفعت به إلى الاعتراف أمام الوفود الأوروبية أن شركة "فوري" قد تكون مُدانة من الناحية "الأخلاقية"، خصوصاً لوجود بعض الإشكاليات حول هذه الشركة المسجلة باسم شقيق حاكم مصرف لبنان، ولكن من الناحية القانونية، فهذه الشركة قانونية".

انتهاء المرحلة الأخيرة
يتبين مع نهاية المرحلة الثالثة من التحقيقات الأوروبية، أن الوفود الأوروبية أجبرت جميع "الشهود" و"المشتبه بهم"على حضور جلسات استجوابهم، بالرغم من سعيهم للتهرب. والقضاء الأوروبي أنهى تحقيقاته اليوم في بيروت، وغادر الأراضي اللبنانية، بعد أن استجوب مجموعة من المدققين الماليين، إضافة إلى صاحب شركة فوري، رجا سلامة، وبعض موظفي المصرف المركزي.

"جديّة" القضاء الأوروبي في اتخاذ الإجراءات اللازمة بحق المخالفين لجلسات استجوابهم أرعبت الأخوين سلامة والكثير من الشهود، فتمكنت من منعهم من التغيب، إلا أنهم لم يتعاونوا مع القضاء الأوروبي خلال استجوابهم، بسبب "تورطهم" في قضية تبييض الأموال.

وفي التفاصيل، فإن جلسة استجواب رجا سلامة تشبه جلسة شقيقه رياض إلى حد كبير، من حيث إخفاء المعلومات وتقديم إجابات غير واضحة. وحالة من الخوف سيطرت على رجا سلامة بعد "اقتحام" النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان، القاضية غادة عون قاعة استجوابه، مما أدى إلى مطالبته مرات عدة من الوفود الأوروبية بالتوقف عن استجوابه، بعدما أظهرت القاضية أود بوروسي تعاطفها مع عون، زاعماً أن حالة "التوتر" سيطرت عليه، ولم يعد قادراً على تقديم الإجابات. وإصراره على الخروج من الجلسة أثار غضب المدعية العامة الألمانية التي بدأت بالصراخ عالياً مطالبةً إياه بإكمال جلسة استجوابه والإجابة على جميع الأسئلة.

الخطوات المقبلة
إذن، القضاء الأوروبي أنهى المرحلة الأخيرة من تحقيقاته في ملف رياض سلامة. وحسب المصادر المطلعة على ملف التحقيقات الأوروبية: "الأسابيع المقبلة ستكون حافلة بالإجراءات القضائية التي ستعلن عنها القاضية الفرنسية أود بوروسي في فرنسا". وتابع المصدر: "من المتوقع أن تظهر التحقيقات الأوروبية الموسعة تورط يوسف الخليل مع حاكم مصرف لبنان"، مما يعني أن الإجراءات القضائية ستصدر بحق كل من يوسف الخليل، الأخوين سلامة، وماريان الحويك..

وبمعزل عن الإجراءات القضائية التي ستصدر في باريس، إلا أن التحقيقات الأوروبية أظهرت الفجوة الكبيرة بين "سرعة" القضاء الأوروبي في متابعة قضايا الفساد وبين "بطء" القضاء اللبناني في ملاحقة الفاسدين!