إلى متى سيستمرّ "استقرار" الدولار وهل باستطاعة "صيرفة" القضاء على السوق السوداء؟

بات معلومًا أن الإحتياطي الإلزامي لمصرف لبنان "المُستتر" من العملة الصعبة صار مُستنزفاً، في حين أنّه يلعب دور "المورفين" في جسم الإقتصاد اللبناني الذي يعاني من "خبيث" السوق الموازية. لكن حتّى في الطب فإن التخدير ليس إلّا للحالات التي تنتظر ساعة النهاية، أي أن الإقتصاد اللبناني وبالرغم من ما يُعانيه لن يستكين أو ينهض في ظلّ السياسات النقدية "الخفيّة" والقيّمون باتوا يعلمون جيّداً أن الحلول ليست إلّا حبراً على ورق في ظلّ استمرار منظومة المافيا والميليشيا بـ"سلطتها" على البلاد والتي انتشلت لبنان من حضنه العربي وموقعه الطبيعي بين دول العالم المُنفتح، بالإضافة إلى عدم "ائتمانها" على المال العام من خلال المشاريع الوهمية و"الكومبينات" التّي أدّت إلى سدودٍ مفخوتة أسوةً بخزينة الدّولة، والبنى التحتية الهشّة غير المعوّل عليها لا بالنقل ولا بالعقل، فهؤلاء هدروا مال الشعب اللبناني.. فكيف لهم أن يصلحوا ما اقترفته الأَيَادِي السوداء؟

 

إستقرار الدولار يُهدّد ما تبقّى من احتياطي إلزامي هل نتّجه إلى "الدّولرة"؟

 يشهد السوق اللبناني استقراراً خجولاً لسعر صرف الدولار في الفترة الأخيرة ويتراوح ما بين الـ28,000 ليرة والـ30,000 ليرة مقابل الدولار الواحد. هناك أسباب لهذا الإستقرار يشرحها رئيس الجهاز الإقتصادي والإجتماعي في حزب الكتائب جان طويلة، منها التدخل الذي يقوم به مصرف لبنان عبر ضخ الدولارات من الإحتياطي الإلزامي عبر منصّة صيرفة بالإضافة إلى استمرار وجود سلع مدعومة مثل الطحين، وهذه عوامل تؤدّي إلى نوع من الإستقرار بسعر الصرف.

طويلة وفي حديثٍ عبر kataeb.org قال:" هناك ضوابط على السحوبات من المصارف وهذه السحوبات بنسبتها الساحقة هي بالليرة اللبنانية مع العلم أن الإقتصاد تحوّل إلى اقتصادٍ نقدي أو “cash economy”، وهذا أمر يؤدّي إلى الحدّ من الحركة الإقتصادية لأن الإقتصادات لا يُمكن أن "تتقدّم" بالتداول النقدي، وذلك يخفّف من الطلب على الدولار بسبب محدودية توافر الليرة".

وأضاف:" موسم الصيف الحالي يشهد حركة سياحية لافتة وهناك عدد لا بأس به من المغتربين قادمون إلى لبنان لزيارة عائلاتهم وللسياحة أيضاً، وهؤلاء سيصرفون دولاراتهم في السوق المحلّية أي أن العرض والطلب متساويان نوعاً ما".

وهذا الإستقرار وصفه طويلة بغير المستدام لأن قدرة مصرف لبنان على التدخل في السوق يجب أن يكون لديها ضوابط. وفي المقلب الآخر دولارات "السياحة الصيفية" هي لمدّة شهرين من الزمن لأن مع انتهاء الموسم لن يكون هناك مصدر للدولار الذي سيدخل إلى السوق كما هذه الفترة، وقال:" لسوء الحظ لا يزال التفكير "على المدى القريب" أو “short term” لتأجيل المشكلة، عوضاً عن وجود الإرادة للوصول إلى الإصلاحات المطلوبة من أجل فرض حلّ مستدام على الصعيد النقدي".

وعن النسبة التقديرية لما تبقّى من الإحتياطي الإلزامي من العملة الصعبة في مصرف لبنان، يُقدّر طويلة هذه النسبة بحوالى الـ11 مليار دولار من ضمنهم "السحوب الخاصة" لصندوق النقد الدولي المُقّدرة بحوالى 1.2 مليار دولار والذي من غير المفترض المسّ بها، فكنسبةٍ صافية "مُخمّنة" لا يزال لدى مصرف لبنان ما بين 9 إلى 10 مليار دولار من الإحتياطي الإلزامي، أي ودائع الناس. وأشار طويلة إلى عدم وجود شفافية في مصرف لبنان وطالب بالكشف عن نسبة الإحتياطي المُتبقّية.

وعن إمكانية التوجّه نحو الدولرة شدّد طويلة على أن هناك ضبابية وعدم وضوح في التوجّه لدى السياسة النقدية المحلّية، وشَرَح مفهوم "الدولرة" قائلاً:" الدولرة هي تحويل السوق والمدفوعات بشكلٍ مباشر إلى الدولار الأميركي وتوقّف مصرف لبنان عن طبع العملة، وبذلك يتم ربط الأسعار المحلّية للسلع والخدمات على شتّى أنواعها بالأسعار العالمية"، ولفت إلى أن هذه الخطوة هي فعّالة بوجه التضخم وباستطاعتها معالجته لأن سعر الكلفة لن يكون مربوط بسعر صرفٍ بين الليرة والدولار، بل سيتم تحويله إلى "العملة الخضراء" مباشرةً ومحاربة هذا التضخم بـ"الدولار العالمي"، لكن في لبنان لا وضوح في السياسة النقدية وهناك "لا قرار" إن كان هناك توجّه نحو الدولرة الشاملة أو استرداد العملة المحلّية عبر القيام بالإصلاحات المطلوبة لإعادة الثقة بالليرة، الأمر الذي خلق فوضى بالتسعير من دون ضوابط.

وفي حال اعتماد الدّولرة تصبح السوق اللبنانية محدودة بالدولارات التي تدخل من الخارج فقط، وبمعنى السياسة النقدية سيخرج مصرف لبنان المركزي عن سكّة التحكّم بالسياسة النقدية ووضع الفوائد لا بل ستنتقل هذه السلطة إلى "الفيديرالي الأميركي" الذي هو مصدر "الدولار"، وبالتالي ستصبح الرواتب والضرائب وغيرها بالدولار الأميركي حصراً.

 

منصّة "صيرفة" والحرب على السوق السوداء

من جهته أشار الصحافي المتخصص بالشأن الإقتصادي موريس متّى إلى أن قدرة منصة صيرفة على الإستمرار مرتبطة بقدرة المصرف المركزي على ضخ الدولارات من خلال هذه المنصّة بسعرٍ أقلّ من سعر السوق، وهذا الأمر له عدّة عوامل أبرزها:" التحويلات الخارجية عبر مكاتب التحويلات التي يستطيع مصرف لبنان شراءها لإعادة ضخّها في السوق عبر "صيرفة"، وعبر قدرة المصرف المركزي على تأمين الدولارات من مصادر أخرى بالإضافة إلى عمليات البيع القليلة جدا التّي تتمّ عبر المركزي"، مؤكّداً أن هذه عوامل تُحدّد مصير هذه المنصّة التي يتمّ التمديد لها شهرياً.

وفي حديثٍ لـKataeb.org قال متّى:" بعد الإتفاق مع صندوق النقد الدولي وتطبيق الإصلاحات، من إحدى شروط الصندوق هو تحرير سعر الصرف أي أنّه لن يبقى مُحدّداً".

وأضاف:" هل توحيد سعر الصرف سيكون مردّه إلى السعر الذي تضعه منصّة صيرفة؟ وهل يمكن الوصول إلى هذا السعر عبر تحرير سعر الصرف؟ من هنا "صيرفة" تُحدّد العمليات الرسمية كافّة وأَعتبر أن في المرحلة المُقبلة سيكون سعر المنصّة هو السعر الرسمي لكافّة القطاعات الأمر الذي نشهده مع أسعار المحروقات، بالإضافة إلى أسعار قطاع الإتصالات في الأول من تموز المُقبل".

وردّاً على سؤال إن كان بمقدور منصّة صيرفة القضاء على السوق السوداء، لفت متّى إلى أن "لا يمكن" القضاء على السوق السوداء بل يمكن مُعالجة الأسباب التّي تؤدّي إلى نشأتِها، وعلى سبيلِ المثال في مصر لم يتمّ محاربة السوق الموازية، لا بل فاوضوا الـ”IMF” ووضعوا إصلاحات اقتصادية ونقدية، حرّروا سعر صرف العملة ووضعوا هامشاً بين السوق الرسمية والسوق "غير الرسمية" مع العلم أنّ الأخيرة ستبقى موجودة ولكن من دون القدرة على التأثير بالشكل الفاضح كما يحصل في لبنان اليوم.

وأضاف:" الدهاء هو بالقدرة على منع السوق السوداء من التحكّم بالسوق العامّة، ومن الممكن أيضاً أن نصل إلى أن تكون القروض المصرفية وفقاً لسعر صيرفة أسوةً بغيرها من الإتصالات إلى المياه، الكهرباء وغيرها.

وعن القيمة الفعلية للّيرة اللبنانية مُقابل الدولار الأميركي تابع متّى:" هناك نظريات عديدة لكن لا أحد "يعلم" القيمة الفعليّة للعملة المحلّية مُقابل الدولار، لكن السعر الأقرب للواقع هو السعر الأقرب "للعرض والطلب" ألا وهو سعر الصرف وفقاً لمنصّة صيرفة التّي هي المنصّة الرسمية وهي الجزء الأكبر من السوق، أمّا السوق السوداء فسعرها غير منوط بالعرض والطلب بل بمن يتحكّم بهذه التطبيقات، أمّا سعر "صيرفة" فمن الممكن أن يكون مؤشراً حقيقياً للسعر الحقيقي للّيرة مُقابل الدولار في السوق لأنه يأتي ضمن آلية مُقوننة وحقيقية، لكن لا يمكن الوصول إلى سعر السوق إلّا حين يتم تحرير سعر الصرف، وإجراء الإصلاحات، عندها يتبيّن سعر السوق الحقيقي الذي يُحدّد من خلاله العرض والطلب".

وختم بالقول:" كلّ هذه التوقّعات لا يُمكن أن تتمّ إلّا عبر برنامج كامل وخطّة إصلاح شاملة بالتعاون مع صندوق النقد الدّولي مما سيؤدي إلى تحرير سعر الصرف وتوحيده.

 

إذاً بين استقرار الدولار الفعلي على المدى القصير لكن الهشّ رهن غياب الإستقرار السياسي، الأمني، الإجتماعي والإقتصادي، وبين تحرير سعر الصرف وتوحيده، لا حلول تلوح في أُفق الإنهيار بظلّ ممارسات من يتربّصون بحكم هذه البلاد بالرغم من فشلهم غير المسبوق والمشبوه، لأن ما نعيشه فاق الـ”Great Depression” وبات "4 آب" معيشي.. فخبزنا لم يعُد كفاف يومنا، ولن يعود من دون العودة إلى كنف القانون بأسرعِ وقتٍ ممكن.