أيّ سياق للعقوبات الأميركية على الحزب؟

فرضت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، الأربعاء، عقوبات على شبكة لبنانية تتّهمها بتهريب النفط والغاز المسال للمساعدة في تمويل "حزب الله". وذكرت وزارة الخزانة الأميركية أن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لها فرض عقوبات على 3 أفراد و5 شركات وسفينتين متورّطتين في تهريب النفط والغاز البترولي المسال لتوليد الإيرادات لـ"حزب الله".

هذه العقوبات الجديدة تدخل بعض "الهواء" إذا صح التعبير إلى انطباعات باتت تدفع في اتجاه تفاوض أميركي مع الثنائي الشيعي وتحديداً مع الحزب على نحو غير مباشر عبر رئيس مجلس النواب نبيه بري، حيث يُسلَّم للثنائي باليد العليا في لبنان تبعاً للحاجة إلى إرساء وقف للنار في جنوب لبنان وإعادة أهالي المستوطنات في شمال إسرائيل إلى قراهم. فالعقوبات الأميركية تسهم في الدرجة الأولى في إعادة التذكير بتصنيف الحزب أميركياً كمنظمة إرهابية، ولو أنه يؤدي دوراً أساسياً وحاسماً في الوضع اللبناني، إلى درجة استرهانه هذا الوضع لمصلحته الداخلية والإقليمية كذلك.

ولا توجد أوهام بأن العقوبات الأميركية الجديدة يمكن أن تكون خطوة سياسية لها معانٍ أكثر مما تحمل بناءً على استراتيجية أميركية متواصلة في هذا الإطار، وعادة ما يتجاهلها الحزب بغضّ النظر عن تأثيرها ونادراً ما يعلّق عليها. ولكنها توفّر مؤشرات قد يبالغ البعض حيالها لجهة أن تفاهماً جديداً ترعاه الولايات المتحدة بين إسرائيل والحزب على غرار تفاهم نيسان 1996 لا يعني تسليماً "بانتصار" يسعى الحزب إلى استثماره على حساب لبنان، أو منحه هذا الانتصار، أو أيضاً أن العقوبات ربما تشكّل مؤشراً على جهودٍ متضافرة لممارسة ضغوط أكبر على الحزب من أجل أن يتحلّى بالمرونة وينزل عن شجرة التصعيد في اتجاه ضبط التصعيد إذا تعذّر الحل التفاوضي المرتبط بالحل في غزة وفقاً لمبدأ الحزب وإيران عن "وحدة الساحات".

والأهم هو الضغط من أجل عدم الانزلاق إلى حرب واسعة تجنّبها الحزب حتى الآن ولكنه خاطر بالذهاب إليها عبر الصاروخ الذي سقط في بلدة مجدل شمس في الجولان المحتل، والبعض يرى أنه خاطر مرة جديدة بالمسيّرة التي استهدفت منطقة مدنيّة في نهاريا وأصابت منزلاً لكن دون وقوع إصابات، ولو أن إصابات مدنية حصلت على غرار المسيّرة اليمنية التي أصابت إسرائيلياً في حزيران الماضي فلربما كانت إسرائيل سترد كما فعلت بالنسبة إلى قصف ميناء الحديدة في اليمن، من دون الأخذ في الاعتبارات الأميركية في هذا الإطار والمحرّضة على عدم الانزلاق إلى حرب في لبنان أو عليه.

وليس واضحاً إن كانت الضربات الإسرائيلية لمواقع في سوريا في الأيام القليلة الماضية واستهدفت عناصر إيرانية وأخرى من الحزب هي ضمن استغلال إسرائيل عدم الرغبة والقدرة في الرد المناسب عليها من دون الرد في لبنان فحسب، أم إن ذلك يوجّه رسائل لإيران في سوريا فقط من دون الإطار المتعلق بتبادل القصف بينها وبين الحزب، باعتبار أن قصفها مواقع إيرانية في سوريا سابق للحرب في غزة. ولكنّ المؤكد وفق مصادر ديبلوماسية أن إدارة بايدن لن ترغب في حرب بين إسرائيل و"حزب الله" من شأنها أن تنعكس سلباً وبقوة على الانتخابات الرئاسية الأميركية قبيل موعدها في الخامس من تشرين الثاني المقبل، لاحتمال ضعضعتها أصوات الناخبين في الولايات المتأرجحة.

وتالياً، فإن البديهي التساؤل هل يمكن ربط هذه العقوبات بالضغط لمنع تصعيد الحرب أو الضغط من أجل إبداء المرونة في سبيل حل، ولو أن الولايات المتحدة تقول إنها لا تعمد أصلاً لذلك بل لاعتبارات أخرى تتصل بتصنيف الحزب وأعماله، أو يمكن أن تؤثر العقوبات على موقف الحزب من الوساطة الأميركية التي لا يزال يقودها آموس هوكشتاين حتى إشعار آخر، أم إن الحاجة الماسة إلى وقف النار في الجنوب إذا توقفت في غزة تتيح تجاوز هذه العقوبات، كما جرى من قبل، وعدم التوقف عندها تماماً كما هي الحال مع حركة "حماس" التي وجّهت واشنطن اتهامات لستة من قيادييها بمجموعة من التُّهم بما فيها التآمر لقتل مواطنين أميركيين فيما ذلك لم يوثر على طلب الحركة التمسّك بمبادرة الرئيس بايدن لوقف النار وتبادل الرهائن، ففي نهاية الأمر تبدو الخيارات محدودة أمام الجميع، ما دامت إسرائيل لن تتجاوب إن قررت ذلك، إلا مع وساطة الولايات المتحدة أو ضغوطها.